ومريديه وتلاميذه، فكانوا يأتمرون بتوجيهاته، وكانوا يحيطونه بهالة من الإجلال والتوقير، هيأت فيما بعد لأن تصبح لكل شيخ قداسته. وكان الجنيد يستخدم أسلوبا مليئا بالمبالغات فى الترغيب والترهيب زاخرا بالألفاظ الطنانة الكثيرة الإيهام والإيحاء، وأخذ عنه تلميذه الحلاج هذا الأسلوب وأصبح ميزة أساسية له فى أقواله وأشعاره، وهو أسلوب كثرت فيه الشطحات، ولا حظ ذلك القدماء إذ نرى السراج فى كتابه اللمع يعرض طائفة من شطحات الجنيد ويفسرها تفسيرا بينا. وأشهر تلاميذ الجنيد الحسين بن منصور المشهور باسم الحلاج وسنعرض له بالحديث فى غير هذا الموضع.
ومن أهم الصوفيين المتأخرين فى العصر الحكيم (١) الترمذى محمد بن على بن الحسن بن بشر المتوفى سنة ٣٢٠ وكان يحاول صنع أسسن فلسفية لعلم الكلام، غير أنه مضى يدرس التصوف وتعمق فيه كما تعمق فى دراسة اتجاهات الشيعة، وعاش للتصوف يؤلف فيه كتبا كثيرة. ويقال إنه هو الذى أدخل بقوة نظرية الولاية فى البيئات الصوفية وكل ما جرّت إليه من إيمان بكرامات الصوفية أولياء الله وصفوته فى خلقه، وقد ألف فيها كتابا سماه ختم الولاية زعم فيه أن للأولياء خاتما كما أن للأنبياء خاتما وأن الولاية تفضل النبوة لقوله عليه السلام:«يغبطهم النبيون والشهداء» إذ لو لم يكن الأولياء أفضل منهم ما غبطوهم! ! وذكر فى الكتاب المذكور أن عيسى يعود فى آخر الزمان، وبذلك يكون خاتم الأولياء، وثار عليه أهل بلدته «ترمذ» ففر إلى نيسابور وبها توفّى. وقال السبكى: دافع عنه السلمى معتذرا عنه ببعد فهم الفاهمين. وعلى كل حال يعدّ الترمذى الحكيم أول من عمل على إشاعة فكرة الاعتقاد بولاية الصوفية وما جرت إليه من تصور الكرامات.
ومنذ أواخر القرن الثالث الهجرى تلفانا ظاهرة جديدة فى بيئات المتصوفة، فقد كان السابقون منهم لا ينظمون الشعر بل يكتفون بإنشاد ما حفظوه من أشعار المحبين، وهم فى أثناء ذلك يتواجدون وجدا لا يشبهه وجد، أما منذ أبى الحسين النورى
(١) انظر فى ترجمة الحكيم الترمذى طبقات الصوفية للسلمى ص ٢١٦ وطبقات الشافعية للسبكى ٢/ ٢٤٥ وطبقات الشعرانى ١/ ١٠٦ ورسالة القشيرى فى مواضع مختلفة وتذكرة الحفاظ للذهبى ٢/ ٢١٨.