للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن سلام شكا فى قصيدة أبى طالب التى روتها قريش فى أشعارها والتى يمدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم (١)، ومعنى ذلك أنهم نظروا فى شعر قريش فقبلوا منه ورفضوا (٢). فهم يفحصون ويحققون فى شعر المدينة كما فحصوا وحققوا فى شعر قريش وغيرها من القبائل.

ويقدم لنا ابن سلام طائفتين من الرواة كانتا ترويان منتحلا كثيرا وتنسبانه إلى الجاهليين، طائفة كانت تحسن نظم الشعر وصوغه وتضيف ما تنظمه وتصوغه إلى الجاهليين، ومثّل لها بحماد، ورأينا، فيما مر بنا، أشباها له فى جنّاد وخلف الأحمر، وطائفة لم تكن تحسن النظم ولا الاحتذاء على أمثلة الشعر الجاهلى، ولكنها كانت تحمل كل غثاء منه وكل زيف، وهم رواة الأخبار والسير والقصص، من مثل ابن إسحق راوى السيرة النبوية إذ كانت تصنع له الأشعار ويدخلها فى سيرته دون تحرز أو تحفظ، منطقا بالشعر العربى من لم ينطقوه من قوم عاد وثمود والعماليق وطسم وجديس.

ورفض ابن سلام والأصمعى وأضرابهما رواية الطائفتين جميعا، فلم يقبلوا شيئا مما يرويه أشباه حماد إلا أن يأتيهم من مصادر وثيقة، وكذلك لم يقبلوا شيئا مما يرويه ابن إسحق لا عن الأمم البائدة فحسب، بل عن عرب الجاهلية أنفسهم، إلا أن يجدوه عند رواة أثبات. يقول ابن سلام وقد ذكر أبا سفيان بن الحارث أحد شعراء قريش الذين كانوا يناقضون حسان بن ثابت وشعراء المدينة: إن شعره فى الجاهلية «سقط ولم يصل إلينا منه إلا القليل» ثم علق على ذلك بقوله: «ولسنا نعد ما يروى ابن إسحق له ولا لغيره شعرا، ولأن لا يكون لهم شعر أحسن من أن يكون ذاك لهم (٣)». فهم كانوا يرفضون جملة ما يرويه ابن إسحق وأشباهه من مثل عبيد بن شريّة وينحونه عن طريقهم، يقول ابن سلام: «وليس يشكل على أهل العلم زيادة الرواة ولا ما وضعوا ولا ما وضع المولدون (٤)» مما حمله رواة القصص والأخبار من شعر غث «لا خير فيه ولا حجة فى عربيته ولا أدب يستفاد ولا معنى


(١) ابن سلام ص ٢٠٤.
(٢) ابن سلام ص ٢٠٥.
(٣) ابن سلام ص ٢٠٦.
(٤) ابن سلام ص ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>