للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستخرج ولا مثل يضرب ولا مديح رائع ولا هجاء مقذع ولا فخر معجب ولا نسيب مستطرف (١)».

ففى الشعر الجاهلى منتحل لا سبيل إلى قبوله، وفيه موثوق به، وهو على درجات منه ما أجمع عليه الرواة (٢) ومنه ما رواه ثقات لا شك فى ثقتهم وأمانتهم، من مثل المفضل والأصمعى وأبى عمرو بن العلاء. وقد يغلب المنتحل الموثوق به، ولكن ذلك لا يخرج بنا إلى إبطال الشعر الجاهلى عامة، وإنما يدفعنا إلى بحثه وتمحيصه مهتدين بما يقدم لنا الرواة الأثبات من أضواء تكشف الطريق.

وقد لفتت هذه القضية، قضية انتحال الشعر الجاهلى، أنظار الباحثين المحدثين من المستشرقين والعرب، وبدأ النظر فيها نولدكه (٣) سنة ١٨٦٤ وتلاه آلورد حين نشر دواوين الشعراء الستة الجاهليين: امرئ القيس والنابغة وزهير وطرفة وعلقمة وعنترة فتشكك فى صحة الشعر الجاهلى عامة، منتهيا إلى أن عددا قليلا من قصائد هؤلاء الشعراء يمكن التسليم بصحته، مع ملاحظة أن شكا لا يزال يلازم هذه القصائد الصحيحة فى ترتيب أبياتها وألفاظ كل منها. وتابع كثير من المستشرقين آلوارد فى موقفه الحذر من قبول كل ما يروى للجاهليين، أمثال موير وباسيه وبروكلمان، وكان مرجليوث أكبر من أثاروا هذه القضية فى كتاباته إذ كتب فيها مقالا مفصلا نشره فى مجلة الجمعية الملكية الآسيوية بعدد يولية سنة ١٩٢٥ جعل عنوانه كما مرّ بنا (أصول الشعر العربى. (The Origins of Arabic Poetry: ونراه (٤) يستهله بموقف القرآن الكريم من الشعر متحدثا عن بدء ظهوره ونشأته وآراء القدماء فى ذلك، ثم ينتقل إلى الحديث عن حفظه، وينفى أن تكون الرواية الشفوية هى التى حفظته، وقد بينا آنفا بأدلة لا تدفع كيف أن سلسلة روايته لم تنقطع حتى عصر التدوين ولكن مرجليوث يذهب هذا المذهب، ليقول إنه لم تكن هناك وسيلة لحفظه سوى الكتابة، ثم يعود فينفى كتابته فى الجاهلية ليؤكد أنه نظم فى مرحلة زمنية تالية للقرآن الكريم! . ويقف بإزاء الرواة المتهمين أمثال حماد وجنّاد وخلف الأحمر وما كان يطعن به بعض الرواة فى بعض، ليزعم أن الوضع فى هذا الشعر كان


(١) ابن سلام ص ٥.
(٢) ابن سلام ص ٦.
(٣) انظر فى مناقشة المستشرقين لقضية الانتحال، تاريخ الأدب العربى لبلاشير ١/ ١٧٦ وما بعدها.
(٤) لخص ناصر الدين الأسد هذه المقالة فى كتابه مصادر الشعر الجاهلى تلخيصا دقيقا ص ٣٥٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>