للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستمرا. ويقول إنه لا يمثل الجاهليين الوثنيين ولا من تنصروا منهم، فأصحابه مسلمون لا يعرفون التثليث المسيحى ولا الآلهة المتعددة، إنما يعرفون التوحيد والقصص القرآنى وما فى الإسلام من مثل الحساب ويوم القيامة وبعض صفات الله. وفى كتاب الأصنام لابن الكلبى من الشعر الجاهلى ما ينقض زعمه نقضا، أما الشعر المصبوغ بصبغة إسلامية بحتة فنسلم بأنه موضوع، ووضعه ينحصر فيه، ولا يبطل ما وراءه من أشعار جاهلية. وينتقل مرجليوث من ذلك إلى اللغة فيلاحظ أنها لغة ذات وحدة ظاهرة، وهى نفس لغة القرآن الكريم التى أشاعها فى العرب، ويقول ولو أن هذا الشعر صحيح لمثّل لنا لهجات القبائل المتعددة فى الجاهلية كما مثل لنا الاختلافات بين لغة القبائل الشمالية العدنانية واللغة الحميرية فى الجنوب. وأسلفنا فى غير هذا الموضع أن لغة القرآن الفصحى كانت سائدة فى الجاهلية وأن الشعراء منذ فاتحة هذا العصر كانوا ينظمون بها وأنها كانت لهجة قريش، وسادت بأسباب دينية واقتصادية وسياسية. فكان الشعراء ينظمون فيها متخلين عن لهجاتهم المحلية على نحو ما يصنع شعراء العرب فى عصرنا على اختلاف لهجات بلدانهم وأقاليمهم.

أما أن الشعر الجاهلى لا يمثل اللغة الحميرية فهذا طبيعى لأنها ليست لغته، وقديما قال أبو عمرو بن العلاء: ما لسان حمير وأقاصى اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا (١) وقد أخذت الفصحى كما قدمنا تقتحم الأبواب على هذه اللغة فى الجاهلية نفسها، بحيث نستطيع أن نقول إن تعريب الجنوبيين بدأ منذ عهود مبكرة. وآخر أدلة مرجليوث على مزاعمه أن النقوش المكتشفة للممالك الجاهلية المتحضرة وخاصة اليمنية لا تدل على وجود أى نشاط شعرى فيها، فكيف أتيح لبدو غير متحضرين أن ينظموا هذا الشعر بينما لم ينظمه من تحضروا من أهل هذه الممالك. ودحض بروينلش هذا الدليل لأن نظم الشعر لا يرتبط بالحضارة ولا بالثقافة والظروف الاجتماعية، وهناك فطريون أو بدائيون لهم شعر كثير مثل الإسكيمو (٢).

والحق أن مرجليوث جانبه الصواب فى دعواه، ولذلك هبّ كثير من المستشرقين يردون عليه، مثل بروينلش ولايل، واحتج عليه الأخير فى مقدمته للمفضليات بأن من وضعوا هذا الشعر-على فرض التسليم بذلك-كانوا يحاكون نماذج سابقة


(١) ابن سلام ص ١١.
(٢) بلاشير ص ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>