للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه يقول ابن جنى: «كان يعدّ جيلا فى العلم، وإليه أفضت مقالات أصحابنا (البصريين) وهو الذى نقلها وحرّرها وأجرى الفروع والعلل والمقاييس عليها (١)» وكان يشرح لتلاميذه كتاب سيبويه وكتب الأخفش والمازنى وله مصنفات كثيرة، منها كتاب الكامل فى اللغة والأدب الذى أشرنا إليه فيما أسلفنا من حديث وكتاب المقتضب فى النحو المطبوع فى القاهرة بتحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، وهو كتاب نفيس، وطبع له كتابه «الفاضل» ونسب عدنان وقحطان، وسقطت من يد الزمن مصنفات له كثيرة. وأهميته فى تاريخ النحو البصرى إنما ترجع-كما لاحظ ابن جنى-إلى أنه حرّر مسائل النحو البصرى وقواعده، وإلى أنه اشتق من أصوله فروعا كثيرة، وإلى أنه بسط فيه كثيرا من العلل والمقاييس التى لم يسبق إليها، وقد نفذ إلى كثير من التعريفات والآراء المبتكرة فى العوامل المحذوفة والمضمرة والملفوظة، وبالمثل فى المعمولات ومواقعها فى الإعراب، واستكثر من العلل كثرة مفرطة، فكل رأى لا بد له من علة أو علل تسنده، كما استكثر من القياس، مع اعتداده بالسماع عن العرب ومع حس أدبى دقيق فى التذوق اللغوى. وله تلاميذ كثيرون، لعل أهمهم الزجاج إبراهيم بن السرىّ المتوفى سنة ٣١٠ وهو امتداد له فى عنايته بكتاب سيبويه وفى تصنيفه لبعض الكتب النحوية وفى محاولته النفوذ إلى بعض الآراء المبتكرة مع العناية بالتعليل والقياس. ومن تلاميذه المهمين ابن السراج أبو بكر محمد بن السرىّ المتوفى سنة ٣١٦ وقد عكف على المنطق حتى أتقنه، وعاش يقرأ لتلاميذه كتاب سيبويه وفى مقدمتهم السيرافى وأبو على الفارسى، وله كتاب الأصول عنى فيه عناية واسعة بعلل النحو ومقاييسه، انتزعه من كتاب سيبويه، وأثر دراسته للمنطق واضحة فيه وفى تقاسيمه.

وإذا تركنا المدرسة البصرية إلى المدرسة الكوفية وجدنا لها إماما مشهورا فى هذا العصر هو ثعلب (٢) أبو العباس أحمد بن يحيى المتوفى سنة ٢٩١ وقد قرأ على شاكلة أستاذيه الكسائى والفراء كتاب سيبويه وكتب الأخفش، وأضاف إلى ذلك زادا كبيرا حصّله من الشعر القديم ودواوينه ومن القراءات والحديث النبوى. وذكر


(١) سر صناعة الإعراب لابن جنى ١/ ١٣٠.
(٢) انظر فى ثعلب تاريخ بغداد ٥/ ٢٠٤ وإنباه الرواة ١/ ١٣٨ ومعجم الأدباء ٥/ ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>