للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلل لآراء الأئمة الكوفيين، تسعفه فى ذلك ثقافة منطقية عميقة، وجعله ذلك يصطبغ بصبغة كوفية، حتى بعد استقلاله عن تلك المدرسة، وقد ألف فيها وفى المدرسة البصرية كتابه «اختلاف البصريين والكوفيين» وله وراءه كتب فى النحو والتصريف، وكتاب مهم فى علل النحو قال القدماء إنه كان يقع فى ثلاثة مجلدات، ولعله هو الذى عرض فيه احتجاجاته لآراء المدرسة الكوفية. ويعرض كتاب المدارس النحوية ما اختاره من آراء المدرسة البصرية وكذلك من آراء المدرسة الكوفية، ثم ما نفذ إليه من آراء اجتهادية انفرد بها من دون غيره من أئمة المدرستين. وهو بذلك مثل دقيق من أمثلة المدرسة البغدادية التى كانت تمزج بين آراء المدرستين السالفتين وتحاول أن تتخذ لنفسها آراء جديدة فريدة. والزجاجى (١) هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحق المتوفى سنة ٣٣٧ تلميذ الزجاج البصرى، وله مصنفات كثيرة، طبع منها كتاب الجمل وهو مختصر فى النحو كانت له شهرة مدوّية فى العصور الوسطى وشرح شروحا لا تكاد تحصى، وطبع أيضا له أماليه الوسطى مع تعليقات للشنقيطى، ومجالس العلماء وهى مناظرات بينهم فى مسائل لغوية ونحوية، وكتاب الإيضاح فى علل النحو، وقد عرض فيه علل النحو عند البصريين والكوفيين ملاحظا أن ابن كيسان وأضرابه من الجيل البغدادى الأول هم الذين وضعوا للنحو الكوفى أكثر علله واحتجاجاته، وقد يضيف من عنده وجوها من العلل، يدعم بها العلل الكوفية والبصرية جميعا. وهو بالمثل فى النحو ينتخب من آراء الطرفين ويضيف آراء جديدة، وإذا كان ابن كيسان تتضح عنده نزعة كوفية فالزجاجى على العكس تتضح عنده نزعة بصرية، إذ كثيرا ما يقف مع البصريين مناضلا مدافعا، وكأنه كان إرهاصا لغلبة النزعة البصرية على النزعة الكوفية فى المدرسة البغدادية، على نحو ما سيتضح فيما بعد عند أبى على الفارسى وابن جنى.

ونشطت فى العصر الأنظار البلاغية، وفى كتابنا «البلاغة تطور وتاريخ» ما يصور مراحل نشأتها فى العصر العباسى الأول ونموها فى هذا العصر، فقد مضى كثيرون من الكتّاب مثل ابن المقفع ومن الشعراء مثل بشار يبدون بعض


(١) انظر فى الزجاجى إنباه الرواة ٢/ ١٦٠ والأنساب للسمعانى الورقة ٢٧٢ ونزهة الألباء (طبعة الحلبى) ص ٣٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>