والكناية والإفراط فى الصفة أو المبالغة وإعنات الشاعر نفسه فى القوافى أو ما سمى فيما بعد باسم لزوم ما لا يلزم وحسن الابتداءات. ويمكن أن نضم إلى هذا المبحث المفصل فى البديع وفنونه مبحثا لابن طباطبا المتوفى سنة ٣٢٢ فى كتابه «عيار الشعر» جعل موضوعه التشبيه، مفصلا القول فى أنواعه تفصيلا دقيقا.
ولم تقف البيئة الفلسفية مكتوفة الأيدى أمام ابن المعتز وكتابه البديع، فقد تجرّد منهم كثيرون لنقل كتابى الشعر والخطابة لأرسطو، واشتهر نقل متّى بن يونس لأولهما ونقل إسحق بن حنين لثانيهما. ولم يلبث قدامة المتوفى سنة ٣٣٧ الذى اشتهر حينئذ بثقافته الفلسفية أن حاول صنع تشريع لبلاغة الشعر العربى مستضيئا من حين إلى حين بما كتبه أرسطو فى كتابه الشعر، وسمّى صنيعه «نقد الشعر». ولن نعرض الآن لما فى الكتاب من نقد فسنعرض له عما قليل، إنما نعرض لما فيه من حديث عن المحسنات البديعية، وقد حاول جاهدا أن يبدّل ويعدل فى بعض المصطلحات التى وضعها ابن المعتز معارضة له، وكأنه إنما ألّف كتابه محادّة لكتاب البديع، واستطاع أن يضيف إلى محسنات ابن المعتز الثمانية عشر ثلاثة عشر محسنا جديدا أهمها الترصيع والغلو وصحة التقسيم وصحة المقابلات وصحة التفسير والتتميم والمبالغة والإشارة والإرداف والتمثيل. وبعضها يتداخل مع محسنات ابن المعتز. وكتاب ثان أنتجته بيئة المتفلسفة هو كتاب البرهان فى وجوه البيان لإسحق ابن سليمان بن وهب، وكان معاصرا لقدامة، ويتضح فيه أنه يريد أن يخضع البلاغة العربية للبلاغة اليونانية وما كتبه فيها أرسطو عن الشعر والخطابة بأقوى مما حاول قدامة، حتى لنراه يضيف إلى انتفاعه بكتابى أرسطو السالفين كتابيه فى المنطق والجدل، مازجا ذلك بمباحث المتكلمين وفقهاء الشيعة، وكأنما تستعجم البلاغة عنده، وقد حاول أن يطبق بعض ما ذكره أرسطو من وجوه البلاغة، ولكنه فاته فى كثير من الأحوال أن يحسن هذا التطبيق، واقترح بعض ألقاب ومصطلحات جديدة لم يكتب لها الذيوع كما كتب لنظائرها عند قدامة وابن المعتز، ويبدو أن أصحاب البلاغة العربية التالين ضاقوا به وبكتابه، فلم يذكروه ولم ينقلوا عنه. وكان ذلك سببا فيما بعد، لأن ينصرف الناس عن هذه البلاغة الأعجمية وأذواق أصحابها المتفلسفين، وأن يستميلهم المتكلمون المعتدلون ببحوثهم البلاغية،