عن صحة المعنى أو جزالة اللفظ أو رداءته أو عوار الفكرة أو استغلاقها أو ضرورة الشعر والموسيقى، وشركه فى مثل هذه الملاحظات كثير من اللغويين بحيث نراهم يخصصون كتبا فى أخطاء الشعراء مثل كتاب أخطاء أبى تمام فى الألفاظ والمعانى لأحمد بن عبيد الله بن عمار المتوفى سنة ٣١٩.
وإذا كانت البيئة اللغوية لم تستطع أن تتطور مع روح العصر فى نقدها، بل ظلت به عند نقد لغوى جاف لا يكوّن نظرية ولا ما يشبه نظرية فإن بيئة المعتزلة استطاعت أن تتمثل فى نقدها روح العصر مع المحافظة على روح العربية والتقاليد الموروثة، ومر بنا فى الحديث عن البلاغة أنها كانت توازن بين معايير البلاغة اليونانية ومعاييرها العربية وأنها لم تحاول أن تعلى الأولى على الثانية، إنما حاولت أن تفيد منها بدون أن تطغى على الفكر العربى وبيانه وبلاغته. ويمكن أن يلاحظ ذلك بوضوح عند بشر بن المعتمر المعتزلى المشهور وقرينه أو معاصره الجاحظ، أما بشر فنراه فى الصحيفة التى دوّنها له الجاحظ فى البيان (١) يدعو إلى الملاءمة بين الكلام وأحوال السامعين ونفسياتهم، وهى فكرة مطابقة الكلام لمقتضى الحال التى كانت شائعة عند اليونان فى أحاديثهم عن البلاغة والنقد، كما يدعو إلى البعد عن التكلف واستكراه المعانى والألفاظ وتجنب الغريب المتوعر فى الألفاظ والتراكيب، وينفذ إلى فكرة طريفة هى أن شرف المعنى لا يرجع إلى أنه من معانى الخاصة أو من معانى العامة، فكلّ فى موضعه شريف، ومدار الشرف على الملاءمة بين الكلام ومقامه، ويدعو فى قوة إلى تبسيط الأسلوب وجعله فى لغة وسطى بين لغة البدو الجافة الخشنة وبين لغة العامة المسفّة المبتذلة. ويخلفه الجاحظ، وتستعر نار المتفلسفة والشعوبية جميعا، فينادى بأن مدار الجمال فى القرآن الكريم إنما يعود إلى نظمه الذى تنقطع الرقاب دون محاكاته، ويمدّ فى قوة ملاحظة بشر عن اللغة الوسطى، حتى يتلاءم مع الحداثة ومع روح العصر، فالألفاظ يجب ألا تكون ساقطة عامية ولا غريبة وحشية، ويجب أن يلائم الخطيب بين كلامه والسامعين فلا يورد خطيب على الجماهير اصطلاحات المتكلمين، وللإيجاز موضع وللإطناب موضع