كتاب الموطأ لمالك بن أنس المتوفى سنة ١٧٩ ثم نشأت طريقة ثانية توزّع فيها الأحاديث على رواتها من الصحابة، فتجمع الأحاديث مثلا التى رواها أبو هريرة بدون نظر إلى اختلاف موضوعاتها الفقهية، فالأساس وحدة الصحابى لا وحدة الموضوع، على نحو ما هو معروف عن مسند ابن حنبل المتوفى سنة ٢٤١، وظل محدّثون يؤلفون على هذه الطريقة حتى نهاية هذا للعصر مثل أبى عبد الله محمد بن نصر المروزى المتوفى سنة ٢٩٤ وتوجد من مسنده مخطوطتان بمكتبة دار الكتب المصرية. وأخذت تقترن بهذه الطريقة سريعا طريقة ثانية هى امتداد للطريقة الأولى آنفة الذكر، وكأنما رأوا أن الإفادة من طريقة المساند يكتنفها غير قليل من الصعوبة إذ لا بد لمن يريد الاطلاع على حديث، لراو من الصحابة فى مسألة من مسائل الفقه، من قراءة كل ما له من أحاديث، وكانت دراسات الفقه نمت حينئذ واحتاج الفقهاء إلى الاطلاع سريعا على بعض الأحاديث للاحتجاج بها فى كتبهم وضد مجادليهم، وأول مصنّف وصلنا من هذه الطريقة هو مصنف عبد الله بن محمد بن أبى شيبة المتوفى سنة ٢٣٥. ثم ألف مصنفاتها الستة المشهورة. وهى الجامع للصحيح للبخارى المتوفى سنة ٢٥٦ والصحيح لمسلم المتوفى سنة ٢٦١ والسنن لابن ماجة المتوفى سنة ٢٧٣ وسنن أبى داود المتوفى سنة ٢٧٥ والجامع للترمذى المتوفى سنة ٢٧٩ وسنن النّسائى المتوفى سنة ٣٠٣ وتعد أصح كتب الحديث المؤلفة لا فى هذا العصر وحده بل فى جميع العصور. ولم يكن الاعتماد فى هذه المصنفات وما يماثلها على دراسة الكتب، وإنما كان الاعتماد على الرواية ولقاء الرجال، مما جعل المحدّثين يرحلون إلى الأمصار الإسلامية المختلفة يجمعون من هنا وهناك ما تفرق من الأحاديث على نحو ما هو معروف عن البخارى فى تطوافه بأكثر مدن خراسان وإيران والعراق والشام والحجاز ومصر. وظل المحدّث الكبير يعتمد على حافظته فى إملائه الأحاديث، وكانوا إذا نزلوا بلدا ربما تعرضوا لامتحان العلماء لهم كى يعرفوا مدى حفظهم. ويحكى عن البخارى أنه قدم بغداد. فاجتمع أصحاب الحديث ورأوا اختباره فعمدوا إلى مائة حديث، قلبوا متونها وأسانيدها بأن جعلوا الإسناد مع غير متنه، واجتمع الناس، فألقوها على البخارى، فأنكرها حديثا حديثا، حتى إذا فرغوا أخذ يرويها رادّا كل متن إلى إسناده، وله فى