أن يكون الإسناد متصلا، فلا يسقط من رواته أحد، وأن يكون كل راو مسلما، معروفا بالصدق، وعدم التدليس، والتخليط، عدلا، ضابطا، حافظا، سليم الذهن، قليل الوهم، سليم الاعتقاد، وكان يرى أن رواة كل إمام من أئمة الحديث يختلفون فى درجة الصلة به. فأصحاب الدرجة الأولى من لازموه فى السفر والحضر، ووراءهم من لم يلازموه سوى مدة قصيرة، واشترط فى رواة أسانيده أن يكونوا من أصحاب الدرجة الأولى، وبذلك اشترط فى الراوى المشافهة والملازمة. وقد يقال إن فى الصحيح أحاديث لا يتصل فيها الرواة يريدون التى ذكرت-كما قدمنا- للاستئناس فقط، وقد أخرجها ابن حجر فى عده لأحاديث الكتاب كما مرّ آنفا وكتاب الجامع الصحيح يبدأ بالحديث عن الوحى والإيمان وتتوالى كتب الفقه وأبوابه، ويقحم عليها أبوابا أخرى كحديثه عن بدء الخلق والجنة والنار وتراجم الأنبياء ومناقب قريش وفضائل الصحابة والمهاجرين والأنصار والسيرة النبوية والمغازى والأطعمة والأشربة والأدب وتعبير الرّؤيا. وختمه بكتاب التوحيد. وهو موزع على ٩٧ كتابا تشتمل على ٣٤٥٠ بابا وبعضها فيه أحاديث كثيرة وبعضها فيه حديث واحد، وقد يوضع عنوان الباب دون كتابة شئ تحته، وكأنه كان ينوى أن يكتب فيما بعد تحته بعض الأحاديث وعاجله الموت. ومعروف أن الكتاب لم يكن قد وضع فى صورته النهائية. وهو يعدّ بحق أصحّ كتب الحديث إذ تحرّى البخارى فى جمعه تحرّيا ليس له سابقة ولا لاحقة فى تاريخ مصنفات الحديث، باذلا جهدا عنيفا تنقطع دونه الأمانى.
وأما مسلم فهو مسلم (١) بن الحجاج القشيرى النيسابورى المتوفى سنة ٢٦١ وصحيحه مثل صحيح البخارى فى الثقة والمنزلة، وقد روى أكثر أحاديث البخارى ولكن بطرق أخرى غير طرق أسانيده، ورتبه على كتب الفقه وأبوابه كما صنع البخارى، ولكنه لم يستكثر منها مثله. ونراه فى مقدمة صحيحه يذهب إلى أن الأحاديث ثلاثة أقسام: قسم رواه الحفاظ المتقنون لا يرقى إليه الشك، وقسم رواه المستورون المتوسطون فى الحفظ وهو يهبط درجة عن سابقه،
(١) انظر فى مسلم تاريخ بغداد ١٣/ ١٠ وتذكرة الحفاظ للذهبى (طبع حيدرآباد) ٢/ ١٦٧ ومرآة الجنان اليافعى ٢/ ١٧٤ ومقدمة النووى بشرحه عليه.