للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان طبيعيّا أن يظل له جهابذته وأن تظل له حلقاته فى البصرة وبغداد، بل إن كثيرين من المعتزلة الجدد فى العصر استطاعوا أن يكوّنوا لهم فلسفة أو كما اصطلح القدماء فرقة نسبت إليهم، وفى مقدمتهم الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥ وهو تلميذ النظام، وكان واسع الثقافة إذ لم يترك ثقافة أجنبية إلا اطلع عليها وخاصة الثقافة اليونانية وما يتصل بها من الفلسفة الطبيعية والمنطق، وقد ظل يدافع عن المعتزلة ويجادل خصومهم جدالا عنيفا، وله فى ذلك كتاب مستقل سماه «فضيلة المعتزلة». ويقول ابن المرتضى فى كتابه طبقات المعتزلة: «إنه أغرى بشيئين:

كون المعارف ضرورية والكلام على الرافضة (١)» والمراد الرد على الرافضة من الشيعة وبيان ما فى اعتقاداتهم من فساد. ويفسر الأشعرى. قوله بأن المعارف ضرورية بأنه كان يذهب إلى أن «ما بعد الإرادة فهو للإنسان بطبعه وليس باختيار، وليس يقع منه فعل باختيار سوى الإرادة (٢)» ويزيد الشهرستانى ذلك بيانا بقوله:

«انفرد الجاحظ بمسائل منها قوله إن المعارف كلها ضرورية طباع وليس شئ من ذلك من أفعال العباد، وليس للعبد كسب سوى الإرادة وتحصل أفعاله منه طباعا». (٣)

ويقول البغدادى فى الفرق بين الفرق. «مما نسب إلى الجاحظ قوله: «إن المعارف كلها طباع، وهى مع ذلك فعل للعباد وليست باختيار لهم، ووافق ثمامة ابن الأشرس فى أن لا فعل للعباد إلا الإرادة، وأن سائر الأفعال تنسب إلى العباد على معنى أنها وقعت منهم طباعا وأنها وجبت بإرادتهم (٤)». ولعل فى ذلك كله ما يوضح رأيه فى أن المعارف ضرورية طباع، يريد أنها تحصل بلا اكتساب، إنما كل ما هناك أن الإنسان يوجه إليها إرادته، فتحدث اضطرارا وطبيعة ومثلها أفعال الإنسان تحدث طبيعة واضطرارا ما دامت قد اتجهت إليها إرادته، فالمدار على الإرادة، وما يحدث بعدها فناشئ عنها، ويقول الشهرستانى إنه: «كان يقول بإثبات الطبائع للأجسام كما قال الطبيعيون من الفلاسفة، وقال باستحالة عدم الجواهر فالأعراض تتبدل والجوهر لا يجوز أن يفنى»، ويقول أحمد أمين: «وهى عبارة


(١) انظر كتاب طبقات المعتزلة لابن المرتضى (طبع بيروت) ص ٦٧.
(٢) مقالات الإسلاميين ٢/ ٤٠٧.
(٣) الملل والنحل للشهرستانى (طبع مؤسسة الحلبى) ١/ ٧٥.
(٤) الفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>