للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على إيجازها تدل على معان عديدة فهو يقرر فيها القوانين الطبيعية للأشياء، فللماء وللنار ولأشياء هذا العالم كلها قوانين طبيعية لا تتخلف؛ وهو يقرر المبدأ الهام الحديث وهو أن المادة لا تنعدم، فالجوهر عنده لا يفنى وإنما تتغير الأعراض فجوهر المادة ثابت لا ينعدم، وإنما يتحول ويتغير فيكون مرة ماء ومرة زرعا ومرة معدنا ومرة خشبا، وهذه كلها أعراض طارئة على المادة، وإن شئت فقل: إنها طارئة على العناصر الأولية التى تتكون منها المواد (١)». وذكر الشهرستانى تكملة لنظرية الجاحظ فى الطباع أنه كان يقول فى أهل النار «إنهم لا يخلدون فيها عذابا بل يصيرون إلى طبيعتها»، وأنه كان يقول: النار فى الآخرة تجذب أهلها إلى نفسها بدون أن يدخل أحد فيها، فهى التى تدخلهم نفسها وتخلّدهم فيها.

وقد رد أبو الحسين الخياط على نسبة هذا القول إلى الجاحظ، وقال إنه مما نسبه إليه ابن الراوندى الكذاب، وقال إنه كذب عليه أيضا فى نسبته إليه إحالة فناء الأجساد وعدمها (٢). ولعل فى ذلك ما ينبهنا إلى أنه يجب الاحتياط فى التعرف على آراء المعتزلة وأنه يحسن استقاؤها من كتبهم الخاصة.

وعاصر الجاحظ وتلاه كثير من المعتزلة فى البصرة وبغداد، وهم يكوّنون فى هذا العصر الطبقات السابعة والثامنة والتاسعة من كتاب طبقات المعتزلة لابن المرتضى، ومن أهمهم أبو يعقوب يوسف بن عبد الله بن إسحق الشحّام من أصحاب أبى الهذيل، وإليه انتهت رياسة المعتزلة فى البصرة فى وقته (٣)، وكان يعاصره فى بغداد جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب، وكانا ورعين زاهدين، ويسوق أبو الحسين الخياط فى كتابه الانتصار بعض آرائهما، ويذكر أن أولهما صنّف كتبا كثيرة فى الفقه، وأن له كتابا فى الردّ على أصحاب الرأى والقياس فى الشريعة (٤).

ومن تلامذة جعفر بن مبشر أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط الذى عاش حتى نهاية القرن الثالث الهجرى. وكان من أكثر المعتزلة علما بأقوالهم


(١) ضحى الإسلام (طبع ونشر مكتبة النهضة-الطبعة السابعة) ٣/ ١٣٥.
(٢) الانتصار للخياط ص ٢١ - ٢٢.
(٣) طبقات المعتزلة ص ٧١.
(٤) الانتصار ص ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>