للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلافاتهم، وكان فقيها مثل أستاذه ومحدّثا مرموقا. وله كتب كثيرة فى الرد على ابن الراوندى، نشر منها-كما مر بنا فى غير هذا الموضع-كتاب الانتصار والرد على ابن الراوندى الملحد، وهو يدل بوضوح على سعة معرفته بآراء المعتزلة، وكان ابن الراوندى نسب إليهم آراء كثيرة غير صحيحة، فزيّفها وبيّن بطلانها، ومن عجب أن نرى البغدادى فى الفرق بين الفرق والشهرستانى فى الملل والنحل ينسبان إليهم بعض هذه الآراء، كما يتضح من المقارنة بين ما جاء فيهما عن الجاحظ مثلا وما جاء فى كتاب الانتصار. ويمكن من هذا الكتاب استخلاص كثير من آراء الخياط مؤلفه، ومن آرائه المهمة ذهابه إلى أن المعدوم يعدّ شيئا، محتجا بأن الشئ ما يعلم ويخبر عنه، وبذلك عدّ الجوهر جوهرا فى العدم والعرض عرضا فى العدم، وأطلق على المعدوم لفظ الثبوت (١).

وأنبه من هؤلاء المعتزلة جميعا وأشهر أبو على (٢) محمد بن عبد الوهاب الجبّائى المتوفى سنة ٣٠٣ وهو تلميذ أبى يعقوب الشحام البصرى، وهو وابنه أبو هاشم من معتزلة البصرة. ولعل خير ما يصور آراءه كتاب مقالات الإسلاميين للأشعرى تلميذه وفيه أنه كان يرى أن الله سبحانه لم يزل عالما بالأشياء والجواهر والأعراض وأن الأشياء تعلم أشياء قبل كونها وتسمّى أشياء قبل كونها وكذلك الجواهر والحركات والسكون والألوان والطعوم والأراييح والإرادات (٣). وكأنه فى موقفه إزاء الأشياء يلتقى بالخياط فى رأيه الذى مرّ بنا آنفا، وقد حاول بعض خصومهما أن يلزمهما بأنهما يقولان بأزلية الأشياء وقدم الأجسام والجواهر والأعراض، ومن المحقق أنهما لم يقولا بذلك إنما يريدان أزلية العلم الإلهى. ومن تتمة رأى أبى على أنه كان يرى أن ما علم الله أنه يكون لا بد أن يكون. وكان يرى أن من الذنوب صغائر وكبائر، وأن الصغائر تستحق غفرانها باجتناب الكبائر، وأن الكبائر تحبط الثواب على الإيمان، وكان يذهب إلى أن العزم على الكبيرة كبيرة والعزم على الكفر كفر (٤). وكان يقول إن الله خير بما


(١) الشهرستانى ١/ ٧٧.
(٢) انظر فى ترجمة أبى على الجبائى وآرائه طبقات المعتزلة لابن المرتضى ص ٨٠ ومقالات الإسلاميين للأشعرى فى مواضع مختلفة والشهرستانى ١/ ٧٨ ومذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوى، الجزء الخاص بالمعتزلة والأشاعرة ص ٢٨٠ وما بعدها.
(٣) مقالات الإسلاميين ١/ ٢٢٢.
(٤) مقالات الإسلاميين ١/ ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>