للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل من الخير، وقال إن الأمراض والأسقام ليست بشرّ فى الحقيقة وإنما هى شر فى المجاز، وكذلك كان قوله فى جهنم إذ كان يقول إن عذابها ليس بخير ولا بشرّ فى الحقيقة، لأن الخير هو النعمة وما للإنسان فيه منفعة، والشر هو العبث والفساد وعذاب جهنم ليس بصلاح ولا بفساد وليس برحمة ولا منفعة، ولكنه عدل وحكمة (١).

وكان يرى أن معنى قوله تعالى: {(اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)} إنما هو على سبيل التوسع، ومعناه أنه هادى أهل السموات والأرض، وأنهم يهتدون به كما يهتدون بالنور والضياء وقال إنه لا يجوز أن نسميه نورا على الحقيقة إذ هو ليس من جنس الأنوار (٢). وكان يجلّ العقل إجلالا شديدا، وهو إجلال كان يتابع فيه المعتزلة، حتى ليمكن أن نسميهم جميعا باسم العقليين، غير أنه مضى فى الشوط إلى نهايته «فأثبت-وتابعه ابنه أبو هاشم-شريعة عقلية، وردّ الشريعة النبوية إلى مقدّرات الأحكام ومؤقتات الطاعات التى لا يتطرق إليها عقل ولا يهتدى إليها فكر (٣)».

ويقال إن تلاميذه حرّروا ما أملاه فوجدوه مائة وخمسين ألف ورقة، ولم يبق من مصنفاته الكثيرة سوى تفسيره.

وأبو هاشم (٤) الجبّائى عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة ٣٢١ لا يقل عن أبيه أبى على الجبّائى شهرة، بل إنه يتقدمه فى الشهرة وذيوع لاسم، بل لقد تحول المعتزلة فى القرن الرابع الهجرى إلى مذهبه وآرائه، مؤمنين بأنه لم يبلغ غيره فى الكلام مبلغه. وأبوه هو أستاذه الذى خرّجه فى المباحث الاعتزالية، وهو يتفق معه فى كثير من آرائه، وينفرد عنه فى آراء كثيرة أيضا، يقول ابن المرتضى: «وقد استنكر بعض الناس خلافه على أبيه، وليست مخالفة التابع للمتبوع فى دقيق الفروع بمستنكر، وفى ذلك يقول أبو الحسن الكرخى:

يقولون بين أبى هاشم ... وبين أبيه خلاف كثير

فقلت وهل ذاك من ضائر ... وهل كان ذلك مما يضير


(١) مقالات الإسلاميين ٢/ ١٩٥.
(٢) مقالات الإسلاميين ٢/ ١٩٢.
(٣) الشهرستانى ١/ ٨١.
(٤) انظر فى ترجمة أبى هاشم تاريخ بغداد ١١/ ٥٥ وطبقات المعتزلة ص ٩٤ والفهرست ص ٢٦١ والملل والنحل للشهرستانى ١/ ٧٨ وما بعدها والفرق بين الفرق للبغدادى (طبعة محيى الدين عبد الحميد) ص ١٨٤ ومذاهب الإسلاميين لبدوى ١/ ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>