للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخلّوا عن الشيخ لا تعرضوا ... لبحر تضايق عنه البحور

وإن أبا هاشم تلوه ... إلى حيث دار أبوه يدور

ولكن جرى من لطيف الكلام ... كلام خفىّ وعلم غزير

فهو قد دار مع أبيه فى آراء كثيرة، واستقل عنه فى أخرى استقلالا، لا يضيره، فحبّه أباه وتقديره شئ، وحبه الحقيقة الاعتزالية وتقديره إياها شئ آخر. وأدرك الشهرستانى ما بين الأب والابن من الاتفاق، فجمع بينهما فى فصل واحد، عارضا فيه أولا وجوه اتفاقهما، ثم ذكر ما خالف فيه أبو هاشم أباه.

ولعل أهم نظرية عرف بها هى نظرية الأحوال، وهى نظرية تتصل بصفات الله الأزلية، ومعروف أن المعتزلة نفوها من قديم ذاهبين إلى أنها هى عين الذات الإلهية، فالله عالم بذاته، أى علمه هو ذاته، وهكذا بقية الصفات، وقال أبو على الجبائى إن الله عالم لذاته وقادر لذاته، وهلم جرّا، وتنبّه أبو هاشم إلى فساد قول أبيه لما يترتب عليه من جعل الله علة لصفاته (١). فحاول النفوذ إلى رأى دقيق وهداه عقله إلى أن الصفات أحوال تدرك بها الذات على نحو إدراكها للمعانى الكلية، ويوضح ذلك الشهرستانى قائلا: «عند أبى هاشم هو عالم لذاته، أى ذو حالة هى صفة معلومة وراء كونه ذاتا موجودا إنما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها، فأثبت أحوالا هى صفات لا موجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا مجهولة، أى هى على حيالها لا تعرف كذلك بل مع الذات، قال: والعقل يدرك فرقا ضروريا بين معرفة الشئ مطلقا وبين معرفته على صفة، فليس من عرف الذات عرف كونه عالما ولا من عرف الجوهر عرف كونه متحيزا قابلا للعرض (٢)». وهى نظرية دقيقة، إذ حاول بها أبو هاشم أن يلغى ما قد يظنّ من نفى المعتزلة: أبى الهذيل العلاّف وأضرابه للصفات الأزلية عن الله أنه ليس لها وجود مع أنها مكررة مرددة فى الذكر الحكيم، فقد ذهب إلى أنها فى حال وسطى لا موجودة ولا معدومة، وأنها تدرك كما تدرك الكليات بدون أن تكون هى نفسها عين الذات، وكأنه خشى أن يؤول ذلك عند بعض الناس إلى أن تكون جواهر أو أقانيم، فأثبت أنها أحوال، وفى الوقت


(١) أصول الدين للبغدادى (طبعة استانبول) ص ٩٢.
(٢) الشهرستانى ١/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>