للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه كان يرد على زميله الأشعرى كما سيلى عما قليل فى فكرته القائلة بأن الصفات الإلهية زائدة على الذات. ومن آراء أبى هاشم الطريفة تعليله للعقاب الأخروى إذ يقول: «إن القديم تعالى خلق فينا شهوة القبيح ونفرة الحسن، فلابد أن يكون فى مقابلته من العقوبة ما يزجرنا عن الإقدام على المقبّحات، ويرغبنا فى الإتيان بالواجبات، وإلا كان يكون المكلّف مغرى بالقبح، والإغراء بالقبح لا يجوز على الله تعالى (١)»، وكأنّه تنبّه بوضوح إلى أن الغرض من العقاب التربية وأن يحذر الإنسان عواقب عمله الوخيم حتى ينتهى عنه. وكان أبوه يرى أن التوبة عن الصغائر تجب سمعا وعقلا، أما أبو هاشم فكان يرى أنها لا تجب إلا سمعا، لأن التوبة-فى رأيه-إنما تجب لدفع الضرر عن النفس ولا ضرر فى الصغيرة فلا التوبة تجب عنها (٢). وكان أبوه يرى أن التوبة عن بعض الكبائر مع الإصرار على بعض آخر تصحّ، أما أبو هاشم فكان يرى أنه لا تصح التوبة عن بعض الكبائر دون بعض، فلابد أن يتوب المذنب من جميع الكبائر توبة نصوحا (٣).

وتلميذ ثان لأبى على الجبّائى انفصل عنه بأكثر مما انفصل ابنه أبو هاشم، بل لقد استطاع أن يقيم مذهبا جديدا لا يعارض به أستاذه فحسب، بل يعارض به المعتزلة جميعا، إذ أقامه على التوسط بين آرائهم وآراء أهل السنة، حتى لقد عدّ هو نفسه مذهب أهل السنة، ونقصد أبا الحسن (٤) على بن إسماعيل، سليل أبى موسى الأشعرى الصحابى الجليل، المتوفى سنة ٣٢٤، وقد ظل على مذهب المعتزلة أربعين عاما كان يختلف فيها إلى حلقات أستاذه أبى على الجبائى، ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن وعدم رؤية الله بالأبصار وأن الإنسان يفعل أعماله بقدرته وإرادته الخالصة، وظل يلقى محاضراته بالبصرة والناس يقبلون عليه إلى أن بدا له أن يتركها إلى بغداد وظل بها إلى وفاته.

وقد نشرت له كتب مختلفة، منها مقالات الإسلاميين التى رجعنا إليها مرارا،


(١) شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٦٢٠
(٢) المصدر نفسه ص ٧٩٢
(٣) المصدر نفسه ص ٧٩٤
(٤) انظر فى ترجمة الأشعرى تاريخ بغداد ١١/ ٣٤٦ والفهرست ص ٢٧١ والجواهر المضية فى طبقات الحنفية ١/ ٣٥٣ وابن خلكان وطبقات الشافعية للسبكى ٣/ ٣٤٧ والنجوم الزاهرة ٣/ ٢٥٩ ومذاهب الإسلاميين لبدوى ١/ ٤٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>