للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها رسالته: الإبانة عن أصول الديانة واللمع، وهما يصوران مذهبه تصويرا دقيقا، وهو مذهب كما قدمنا يوازن بين آراء أهل السنة، وكل مسألة تذكر فيها الأدلة العقلية والأدلة السمعية من الكتاب والسنة، ونضرب مثلا لذلك البراهين على وجود الله. وقد اشتقها من القرآن اشتقاقا على هذا النمط الذى ساقه الشهرستانى إذ يقول: قال الأشعرى: الإنسان إذا فكر فى خلقته من أى شئ ابتدأ، وكيف دار فى أطوار الخلقة طورا بعد طور حتى وصل إلى كمال الخلقة، وعرف يقينا أنه بذاته لم يكن ليدبر خلقه، ويبلغه من درجة إلى درجة ويرقاه من نقص إلى كمال- عرف بالضرورة أن له صانعا قادرا عالما مريدا، إذ لا يتصوّر صدور هذه الأفعال المحكمة من طبع لظهور آثار الاختيار فى الفطرة وتبين آثار الإحكام والإتقان فى الخلقة (١)»، وواضح أنه يستلهم فى هذا البرهان ما جاء فيه من أطوار خلق الإنسان وتحوله من نطفة إلى علقة فمضغة فعظام فكسوة من لحم، ثم أطواره فى حياته. وإذا عرض مثلا لبيان أن الله لا يشبهه شئ أدلى بالبرهان العقلى ثم أتبعه بالبرهان السمعى من مثل قوله تعالى: {(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)}. وعلى هذه الشاكلة دائما يسوق الأشعرى مع الأدلة العقلية الأدلة السمعية. وقلنا آنفا إن مذهبه وسط بين مذهبى المعتزلة والمحدّثين، وقد تابع الأولين فى تنزيه الذات العلية عن التشبيه وكل ما يتعلق بالتجسيد، وأخذ بقول المحدّثين فى أن الله يرى بالأبصار يوم القيامة، مستدلا على ذلك بأدلة سمعية أوضحها فى رسالته «الإبانة» إيضاحا تاما وبأدلة أخرى عقلية أوضحها فى «اللمع». وتوسط بين المعتزلة والجبرية فى أفعال الإنسان وخالقها، فقد كان الجبرية يذهبون إلى أن الله خالق أفعال الإنسان، وقال المعتزلة، بل الإنسان هو الذى يخلق أفعاله، وتوسط الأشعرى فقال إن أفعال الإنسان لله خلقا وصنعا وهى للإنسان كسبا وإرادة فهو يريدها والله يخلقها فيه (٢).

وكان يرى أن صفات الله أزلية قائمة بذاته؛ فهى ليست عين الذات الإلهية كما يقول أكثر المعتزلة ولا هى أحوال كما قال أبو هاشم الجبائى بل هى زائدة على الذات قائمة بها (٣). وحاول التوفيق فى مسألة خلق القرآن بين المعتزلة والمحدّثين من أمثال ابن حنبل أى بين القولين القائلين بأن القرآن حادث أو هو قديم، فقال إن «العبارات


(١) الشهرستانى ١/ ٩٤.
(٢) اللمع ص ٤٥ وما بعدها.
(٣) الشهرستانى ١/ ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>