للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد ذكروا أنه أخطأ فى قوله: «علانها» بكسر العين وإنما سمع عن العرب: «إعلانها» وكأن ابن الجهم صاغ من كلمة العلن عالنه كما قالوا أعلنه واشتق منها: عالنه علانا. وسمعه المبرد يقول فى بعض حديثه: «أظننى مأزورا فى قعودى»، فقال: لقد نقص فى عينى حين سمعت منه هذا القول، إذ المسموع موزور لا مأزور (١)، وكأن ابن الجهم قاس هذه الصيغة على مثال مأجور ومأثور.

وهذان المثالان هما كل ما رواه اللغويون من أخطاء ابن الجهم، وحتى على فرض خطئه فيهما وأنه لم يصب فى اجتهاده كان يحسن أن يغفروهما له وأن يشيدا بمدى معرفته للعربية وأمثلتها فى البنية والصياغة، إذ لم يحدث أن أخطأ فيها-إن سلمنا لهما بهذا الخطأ-سوى مرتين. وشاعر ثان هو على بن محمد العلوى الكوفى المعروف بالحمّانى فقد أخذوا عليه خطأين: خطأ نحويّا وخطأ اشتقاقيّا صرفيّا، فأما الخطأ النحوى ففى قوله:

وجه هو البدر إلا أن بينهما ... فضلا تلألأ فى حافاته النّور

فى وجه ذاك أخاطيط مسوّدة ... وفى مضاحك هذا الدرّ منثور

فقد قالوا إن حق كلمة «منثور» فى آخر البيت الثانى النصب، لأنها فى موقع الحال، والطريف أن المرزبانى حاول إخراج الحمانى من هذا الخطأ وردّه عنه، فقال إن رفع منثور جائز بمعنى هو منثور (٢)، والمسألة لا تحتاج إلى كل هذا التأويل فإن الحمانى تبادر إليه أن كلمة منثور خبر لكلمة الدر، وكلمة «فى مضاحك هذا» متعلقة بها، ولا عيب ولا خطأ فى ذلك. وأما الخطأ الاشتقاقى الذى عابوه على الحمّانى ففى قوله:

أرقت وما ليل المضام بنائم ... وقد ترقد العينان والقلب ساهر

فقد قالوا إن الصواب مضيم بفتح الميم، إذ لا يقال أضمته وإنما يقال ضمته (٣) فهى فى غير حاجة إلى التعدية بالهمزة. وربما سمع الحمانى من العرب من يقول أضام أو ربما قرأ ذلك فى بعض الأشعار القديمة. وهو على كل حال خطأ واحد يشهد


(١) انظر الموشح للمرزبانى (طبعة دار نهضة مصر) ص ٥٢٨.
(٢) الموشح ص ٥٢٠.
(٣) الموشح ص ٥٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>