للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسلامة لغته. وحتى البحترى الذى اشتهر بفصاحته وإتقانه للعربية وعلمه بأسرارها وقدرته البارعة على استخدام مفاتيحها الموسيقية نجد اللغويين يتوقفون بإزاء بعض استعمالاته ليثبتوا عليه الخطأ فى هذا الموضع أو ذاك، وقد زعموا أن من اللحن عنده قوله فى بعض شعره:

يا عليّا بل يا أبا الحسن الما ... لك رقّ الظريفة الحسناء

وواضح أن المنادى العلم، وهو على، فى أول البيت منصوب منون. وحقه الضم (١)، وهى مسألة يعرفها الناشئة ومن يشدون شيئا من النحو، وغريب أن يخطئ فيها البحترى، وهو فعلا لم يخطئ، فإن رواية الكلمة فى الديوان «يا على» وإذن لا خطأ، وقد يكون تقوّل عليه ذلك بعض خصومه. وأخذوا عليه قوله فى الفتح بن خاقان:

يا مادح الفتح ويا آمله ... لست امرأ خاب ولا مثن كذب

فقد قالوا إن كلة «مثن» فى البيت كان حقها النصب، فيقال مثنيا، لأنها معطوفة على منصوب هو كلمة «امرأ» وفاتهم أن البحترى رفع الكلمة على إضمار مبتدأ محذوف أى: «ولا أنت مثن كذب» ومن حقه أن يصنع ذلك حين يريده.

وأخذوا عليه أيضا قوله:

ولو أنصف الحسّاد يوما تأمّلوا ... مساعيك هل كانت بغيرك أليقا

فإنه سكّن كلمة «مساعيك» وكان حقها النصب: «مساعيك» لأنها مفعول به، وأنكروا عليه قوله فى مطلع رثائه للمتوكل:

محلّ على القاطول أخلق داثره ... وعادت صروف الدهر جيشا تغاوره (٢)

وقالوا المروىّ: دثر مخلقة. ولا يقال: «أخلق داثره» لأن الداثر لا بقية له فتخلق أى تبلى وتستجد، وهم مبالغون فى قولهم. لأن العرب يقولون أطلال داثرة، وهم يريدون بقاياها أو قل بقايا الديار قبل أن تمحى محوا نهائيّا.


(١) انظر فى هذا اللحن وما يتلوه مما أخذوه على البحترى الموشح ص ٥١١ وما بعدها.
(٢) المحل هنا: قصر المتوكل الذى قتل فيه وكان قد بناه على جدول القاطول بسامراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>