للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويلاحظ الصاحب بن عباد أنه ذكر الفعل الناقص: «نسيه» بإشباع الياء وإسكانها بدلا من فتحها فى قوله (١):

أبو غالب بالجود يذكر واجبى ... إذا ما غبىّ الباخلين نسيه

وكأن ابن عباد لم يلتفت إلى أن البحترى إنما صنع ذلك لضرورة القافية التى تنتهى بها قصيدة البيت، وأيضا فإنه لم يلتفت إلى أن هذه لغة معروفة لطيئ قبيلة الشاعر إذ ينطقون مثل «رضى» بفتح الياء «رضى» بإسكانها وإشباعها. ومما يدل دلالة واضحة على تعنت اللغويين إزاء البحترى وغيره من الشعراء أن نجد صاحب خزانة الأدب يروى عنهم أنهم أنكروا عليه تسكين اللام فى كلمة «طلحاته» من قوله مادحا:

عدلتم بطلحة عن حقّه ... ونكّبتم عن موالاته

وكيف يجوز لكم جحده ... وطلحتكم بعض طلحاته

قالوا كيف يسوّغ لنفسه تسكين اللام والوجه أن تكون مفتوحة (٢)، وواضح أنه صنع ذلك لضرورة الشعر، ومعروف أنها تبيح للشاعر أن يخرج على القواعد النحوية والصرفية أحيانا، فما بالنا بالحركة والسكون حين يتبادلان مواضعهما وفى الحق أن كل ما أنكروه على البحترى مما يحق له ولا تجوز مؤاخذته عليه، وهى صورة من التزمّت وضيق الأفق عند بعض اللغويين. ومما يدخل فى هذا الباب من التعنت القبيح أن نجد بعض اللغويين يستمع إلى ابن الرومى يمدح الموفق حين قضى على ثورة صاحب الزنج التى مرت بنا فى غير هذا الموضع، فيقول فى بعض مديحه مخاطبا الموفق:

ثناك له مقداره فكأنما ... تقوّض ثهلان عليه وصندد (٣)

فيعترض على نطقه: «صندد» بفتح الدال الأولى قائلا إنها «صندد» بكسرها (٤). وإنما أطلنا فى بيان ذلك كله لندل على أن اللغويين لم يكونوا يستطيعون


(١) الكشف عن مساوئ المتنبى للصاحب ابن عباد (طبعة القاهرة) ص ٩.
(٢) خزانة الأدب للبغدادى ٣/ ٣٩٤.
(٣) ثهلان وصندد: جبلان.
(٤) ديوان المعانى لأبى هلال العسكرى (طبعة بغداد) ٢/ ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>