للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوجهك فى عينى أم الطعم فى فمى ... أم النطق فى سمعى أم الحب فى قلبى

فقال له الكندى: والله لقد قسّمتها تقسيما فلسفيّا (١)، وتكثر مثل هذه التقسيمات بين الشعراء إذ كانت تعدّ من بدع العصر ومستحدثاته الطريفة، ومنها قول ابن المعتز فى جمال الذوائب (٢):

سقتنى فى ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خدّيها بغير رقيب

فأمسيت فى ليلين بالشعر والدّجى ... وخمرين من راح وخدّ حبيب

وهو تقسيم طريف لليل والخمر جميعا. وعلى نحو ما كانوا يغربون فى التقسيم كانوا يغربون فى الأخيلة، وقد نقلوا منها ما أعجبهم فى آداب العجم، من مثل قول على بن الجهم فى وصف الورد:

أما ترى شجرات الورد مظهرة ... لنا بدائع قد ركّبن فى قضب

كأنهنّ يواقيت يطيف بها ... زبرجد وسطها شذر من الذّهب

والصورة من قول أرديشير: «الورد ياقوت أحمر وأصفر ودر أبيض على كراسى زبرجد يتوسطه شذور ذهب» (٣). ولا تكاد تحصى صور الشعراء الطريفة، بل إن صور شاعر واحد أكثر من أن تحصى، غير أنه مما يلاحظ أنهم عنوا كثيرا بأن يغرقوا فى الوهم والتجريد على شاكلة قول العطوى أحد متكلمى المعتزلة الحذاق (٤):

فو حقّ البيان يعضده البر ... هان فى مأقط ألدّ الخصام

هى تجرى مجرى الأصالة فى الرّأ ... ى ومجرى الأرواح فى الأجسام

وواضح مدى إغرابه فى الصورة إذ مثل صاحبته بجمال الأصالة فى الرأى، وهى صورة فريدة، وتوضح إحساس العطوى بما كان ينفذ إليه المعتزلة لعصره من تفكير أصيل منتهى الأصالة، وهو تفكير كثيرا ما كان يدفعهم إلى صور غير


(١) ابن أبى أصيبعة ص ٢٨٧.
(٢) زهر الآداب للحصرى ٣/ ١٦.
(٣) ديوان المعانى للعسكرى /٢٣٢/ وانظر الديوان (طبعة المجمع العلمى بدمشق) ص ١١١.
(٤) معجم الشعراء للمرزبانى (طبعة الحلبى بالقاهرة) ص ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>