للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مألوفة من التجريد والوهم البعيد، وكأن الحسين بن الضحاك استعار منهم قبسا حين قال فى بعض غزله (١):

إن من لا أرى وليس يرانى ... نصب عينى ممثّل بالأمانى

بأبى من ضميره وضميرى ... أبدا بالمغيب ينتجيان

نحن شخصان إن نظرت وروحا ... ن إذا ما اختبرت يمتزجان

فإذا ما هممت بالأمر أوه‍ ... مّ بشئ بدأته وبدانى

كان وفقا ما كان منه ومنى ... فكأنى حكيته وحكانى

خطرات الجفون منا سواء ... وسواء تحرّك الأبدان

وهو يعبر عن اتحاد بالمحبوب وفناء فيه حتى كأنما هما شخص واحد وروح واحدة وإن بديا شخصين وروحين فخواطرهما واحدة، بل حتى حركات الأجسام واحدة. وكل ذلك بعد فى الخيال إلى درجة الوهم، وعلى شاكلته قول ابن المعتز:

وشكوى لو أنّ الدمع لم يطف حرّها ... تولّد منها بينهن حريق

فلولا الدموع لاحترق العاشقان، حرقتهما الشكوى الممضة التى لا يخمد أوارها، وقد تكون الصورة حسية، ولكن نشعر إزاءها بالبعد فى الخيال والإغراق فى الوهم كقول أبى العباس الناشئ المعتزلى فى وصف سحاب يهطل ولا يكفّ عن سقوطه (٢):

خليلىّ هل للمزن مقلة عاشق ... أم النار فى أحشائه وهى لا تدرى

سحاب حكت ثكلى أصيبت بواحد ... فعاجت له نحو الرياض على قبر

فالمزن أو السحاب مقلة عاشق ما تزال تتساقط منها حبات الدموع، وما بريقه إلا نار العشق الملتهبة فى الأحشاء، بل لكأنه ثكلى فقدت وحيدها، فهى تبكى عليه بكاء مرّا لا ينقطع. وللشاعر أشعار كثيرة فى الإشاذة بأصحابه من المتكلمين


(١) أغانى (طبعة دار الكتب) ٧/ ١٨٧.
(٢) زهر الآداب ١/ ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>