لا تكثرنّ ملامة العشّاق ... فكفاهم بالوجد والأشواق
إن البلاء يطاق غير مضاعف ... فإذا تضاعف كان غير مطاق
لا تطفئنّ جوى بلوم إنّه ... كالريح تغرى النار بالإحراق
فهو يقيس تكرار اللوم للعشاق على تضاعف البلاء الذى لا يطاق، ولا يكفيه هذا القياس، وإذا هو ينفذ إلى قياس بديع، فالهوى نار مشتعلة فى الصدور، واللوم ريح عاصفة تفرقها يمينا وشمالا، حتى تأتى على كل ما تجاوره، وكأنما لا يزال يغريها بأن تزداد تلظيا وإحراقا واشتعالا. وبجانب هذه القدرة لدى ابن الرومى على الأقيسة والعلل، نحس قدرة فائقة على الجدل وكسب القضية بالحق وغير الحق، وكأنه معتزلى كبير يناقش بعض مسائل الاعتزال ويحاول أن ينقض على خصمه حججه وأدلته، أو قل إنه يدلى بحجج وبراهين تمحو كل براهينه وحججه، وهى براهين وحجج شعرية، فيها فن وفيها جمال وفيها حس الشاعر وفطنته، من ذلك أن يجد الناس من حوله مجمعين على إيثار الورد على النرجس، فيرد عليهم إجماعهم بالدليل القاطع والبرهان الساطع يقول (١):
خجلت خدود الورد من تفضيله ... خجلا تورّدها عليه شاهد
أين العيون من الخدود نفاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسد
فاحمرار الورد الذى طالما شبّهه الشعراء بالخدود إنما هو احمرار خجل من تفضيل من لا يقدرون الجمال له على النرجس الذى يشبهه الشعراء بالعيون، وأين الخدود من العيون روعة وجمالا، وهو بون بعيد لا يخطئ فيه إلا أصحاب القياس الفاسد الكليل. ومما يتضح عنده فيه أثر الاعتزال واختلاطه بالمعتزلة أن نراه يعمد إلى ذم شئ ذمّا طبيعيّا، لأنه يستحق الذم، ثم يعمد بعد ذلك إلى مدحه، بيانا لقدرته فى الحجاج والجدل. وينسب إلى الجاحظ كتاب فى المحاسن والأضداد بعامة، وهو منحول عليه، ولكنا نجد معاصرا لابن الرومى هو إبراهيم بن محمد البيهقى يؤلف كتاب المحاسن والمساوى وهو منشور، ويدل بوضوح على أن الناس شغفوا فى العصر-يقودهم المعتزلة من أمثال الجاحظ-بمدح الشئ وذمه، وعلى