للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو الهادى المهدى الذى تجب طاعته على جميع المسلمين، وكان الشعراء من وراء ابن الجهم يبالغون فى بيان ذلك مبالغات شتى، مما سنعرض له فى غير هذا الموضع. ونرى كثيرين منهم يسجلون الأعمال الكبرى فى عصور الخلفاء ولنأخذ مثلا المتوكل، فجميع أعماله مثبتة فى دواوين الشعراء وفى كتب التاريخ، فمن ذلك أمره لأهل الذمة بلبس الطيالسة العسلية والزنانير مما وقفنا عنده فى الفصل الأول، فقد تغنى بهذا العمل ابن الجهم فى أشعاره (١)، ومن ذلك عقده البيعة لبنيه الثلاثة:

المنتصر والمعتز والمؤيد، فقد تغنى شعراؤه بهذا الصنيع طويلا (٢).

ويكثر فى عهده بناء القصور على نحو ما أسلفنا، وكلما شاد قصرا نوّه الشعراء به وبروعة بنائه وما يدل عليه من مظاهر الحضارة والعمران لعصره. وليس هناك حادثة جلّى من سجن وزير وتعذيبه مثل ابن الزيات، أو غضب على قاض وتصفية أمواله مثل ابن أبى دؤاد، أو على طبيب وقبض أمواله مثل بختيشوع أو على كاتب من كتاب الدواوين أو على بعض الولاة إلا ويسجل الشعراء ذلك فى أشعارهم مما يجعلها بحق وثائق تاريخية، وأروع ما سجلته هذه الوثائق أمجاد قوادنا وأبطالنا وجيوشنا فى حومات الوغى شمالا وشرقا، وهى ليست تاريخا يسرد كما تصنع كتب التاريخ، وإنما هى أناشيد انتصارات رائعة لجنودنا وقوادهم البواسل فى حروب الروم والترك والأرمن، وماتنى الجيوش العربية تخوض إليهم بحورا من الدماء منزلة بهم صواعق الموت التى لا تبقى ولا تذر: وكان من أبطال هذه المعارك لعهد المتوكل يوسف بن محمد الثغرى، وكان المتوكل قد ولاه بعد وفاة أبيه على أرمينية، وكانت قد نشبت بها ثورات فأخذ يسحقها بجنوده المغاوير سحقا، وفيه وفى انتصاراته على بعض البطارقة الأرمنيين يقول البحترى (٣):

هو الملك المرجوّ للدين والعلا ... فلله تقواه وللمجد سائره

له البأس يخشى والسماحة ترتجى ... فلا الغيث ثانيه ولا الليل عاشره (٤)

كسرتهم كسر الزّجاجة حدّة ... ومن يجبر الوهى الذى أنت كاسره

حسام وعزم كالحسام وجحفل ... شداد قواه محصدات مرائره (٥)


(١) الديوان ص ١٩٢.
(٢) الطبرى ٩/ ١٨١.
(٣) الديوان ٢/ ٨٧٧.
(٤) عاشره: يبلغ معشاره.
(٥) محصدات: محكمات. سرائره: قواه، وأصلها طاقات الحبال

<<  <  ج: ص:  >  >>