للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطويلة الشاقة، وكأنما يريد أن يجذب نفسه جذبا من أفكار الغناء ويتغلغل فى نوازع الحياة. وتبعه الشاعر العباسى مستبقيا على كل هذه العناصر فى قصيدة المديح، وقد يفرد لوصف هذه الرحلة قصائد أو مقطوعات طريفة، وهى متناثرة فى دواوين الشعراء من مثل قول على بن الجهم (١):

كم قد تجهّمنى السّرى وأزالنى ... ليل ينوء بصدره متطاول

وهززت أعناق المطىّ أسومها ... قصدا ويحجبها السواد الشامل

حتى تولّى الليل ثانى عطفه ... وكأن آخره خضاب ناصل

ورأيت أغباش الدّجى وكأنها ... حزق النّعام ذعرن فهى جوافل (٢)

وهو يصور سراه فى ليل متطاول يجثم سواده على آفاق الكون، وما زال يقطعه حتى نصل خضابه الأسود وبدت أغباشه وبقاياه وكأنها نعام مذعور، فهى تفر فرارا من الضوء الذى أخد ينتشر على قطع الظلام. وطالما وصف الشعراء نحول إبلهم وضناها كناية عن طول سراها ومدى ما عانته من نصب فى وعثاء السفر الطويل الذى لا يكاد ينتهى. وألمّ شعراء العصر كثيرا بهذا المعنى كقول البحترى فى وصف ابله (٣):

يترقرقن كالسّراب وقد خض‍ ... ن غمارا من السّراب الجارى

كالقسىّ المعطّفات بل الأس‍ ... هم مبريّة بل الأوتار (٤)

فهى لا تكاد تبين نحولا وهزالا حتى لكأنها أصبحت سرابا، وإنها لتشبه القسىّ المنحنية، بل هى أكثر نحولا فهى كالأسهم، بل هى أيضا أكثر ضنا وهزالا حتى غدت كالأوتار ضمورا. وكانوا فى أثناء ذلك يعرضون لوصف حمر الوحش وأتنها التى يصادفونها فى الفلاة، وكذلك لوصف الظباء وبقر الوحش، وكل يحاول أن ينفذ إلى صورة دقيقة من مثل قول ابن المعتز (٥):


(١) الديوان ص ١٦٨.
(٢) أغباش: بقايا. حزق: جماعات. جوافل: منزعجة.
(٣) الديوان ٢/ ٩٨٧.
(٤) المعطفات: المنحنيات.
(٥) الديوان ص ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>