للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجرت لنا سنحا جآذر رملة ... تتلو المها كاللؤلؤ المتبدّد (١)

قد أطلعت إبر القرون كأنها ... أخذ المراود من سحيق الإثمد (٢)

وكان ابن المعتز قد سبق بوصف إبر القرون وأطرافها المدبّبة بالمراود المغموسة فى الكحل شديد السواد واللمعان، فما زال يحاول النفوذ إلى صورة جديدة حتى قال يصف ثورا وحشيّا يقود إجلا أو قطيعا من بقر الوحش (٣):

كأنى على طاو من الوحش ناهض ... تخال قرون الإجل من خلفه غابا

فقرون البقر تتكاثر حتى ليخالها ابن المعتز غابة نبتت فى الفلاة فجأة.

وكان الشعراء يعرضون أحيانا مع الربيع ووصفه للحديث عن الخمر، على نحو ما كان يصنع أسلافهم العباسيون، وشاعت حينئذ التهنئة بعيد النيروز وبيوم المهرجان الكبير، وكانت بغداد وضواحيها تتحول فيه إلى ساحات كرنفالات ضخمة على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع، وكان الشعراء يهنئون الخلفاء والولاة به، وكثيرا ما كانوا يتحدثون عن ملاهيه، وقد يسوقون الحديث إلى الخمر، على نحو ما يلقانا عند ابن الرومى فى قصيدة يوم المهرجان التى مدح بها عبيد الله بن طاهر محافظ بغداد حينئذ، ونراه يصور تصويرا رائعا ما كان بمجلسه من قيان يتغنين غناء يأسر القلوب، يقول (٤):

وقيان كأنها أمّهات ... عاطفات على بنيها حوان

مطفلات وما حملن جنينا ... مرضعات ولسن ذات لبان (٥)

كلّ طفل يدعى بأسماء شتّى ... بين عود ومزهر وكران (٦)

أمّه دهرها تترجم عنه ... وهو بادى الغنى عن الترجمان

غير أن ليس ينطق الدهر إلا ... بالتزام من أمه واحتضان (٧)


(١) سنحا: عرضا أو مارة من اليمين. الجآذر: جمع جؤذر وهو ولد البقرة. المها: بقر الوحش.
(٢) الإثمد: الكحل.
(٣) الديوان ص ٣٨ وطاو: جائع.
(٤) الديوان ص ٨٤.
(٥) لبان: لبن.
(٦) الكران والمزهر من آلات الطرب الوترية.
(٧) التزام: اعتناق.

<<  <  ج: ص:  >  >>