للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد كانا مكسوّين طوال الليل كسوة غريبة من اللثام والعناق، ونحس دائما عنده بطفرات الفكر العبقرى وأخيلته كأن نراه يقول فى الصدور (١):

صدور فوقهنّ حقاق عاج ... وحلى زانه حسن اتّساق

يقول الناظرون إذا رأوها ... أهذا الحلى من هذى الحقاق

وهى صورة لا تفد بحق فى ذهن شاعر من هذا العصر سوى ذهن ابن الرومى الذى كان يشبه متحفا كبيرا ما يزال يستخرج منه الدرر والتحف النفيسة، من مثل قوله فى جمال العيون ومدى تأثيرها وسحرها فى العشاق (٢):

نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها ... ثم انثنت عنه فكاد يهيم

ويلاه إن نظرت وإن هى أعرضت ... وقع السهام ونزعهنّ أليم

وكان من حوله من الشعراء لا يزالون يحاولون بكل ما وسعهم أن يأتوا بدرة أو تحفة تخلب الباب سامعيهم، ولتكن خاطرة طريفة أو صورة بديعة، ولا يهم أن يكون أصلها قد دار على ألسنة الشعراء، فالمهم طرافة العرض وتحوير المعنى أو الصورة، من مثل قول ابن المعتز (٣):

يا غصنا إن هزّه مشيه ... خشيت أن يسقط رمّانه

وقول أبى العباس الناشى فى بكاء إحدى صواحبه وقد أحسّت أن فراقه لها سيطول أمده، فقال وهو محزون الفؤاد (٤):

كأن الدموع على خدّها ... بقيّة طلّ على جلنّار

وينفذ أحمد بن صالح بن أبى فنن إلى معنى دقيق فإنه حين ينظر إلى صاحبته تتورد وجنتها خجلا، فتقتص منه فى قلبه بما تصيبه به من سهام عينيها المصمية، يقول (٥):

أدميت باللحظات وجنتها ... فاقتصّ ناظرها من القلب


(١) ديوان المعانى ١/ ٢٥٣.
(٢) ديوان المعانى ١/ ٢٣٦.
(٣) الديوان ص ٤٢٢.
(٤) زهر الآداب ٢/ ٢١٦.
(٥) تاريخ بغداد ٤/ ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>