للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكر بعده الخليفة المنتصر ثم المستعين الذى تلاه لسنة ٢٤٨ للهجرة، وقد توفى لعهده سنة ٢٤٩ وكأنه نظم هذه الأرجوزة بأخرة من حياته. والأرجوزة قوية النسج مع سهولة فى الصياغة ونصاعة فى العبارة.

ونرى ابن المعتز يعنى بنظم سيرة المعتضد الخليفة العباسى معاصره وكانت بينهما صداقة وثيقة، وكان أبوه الموفق من قبله ولى عهد المعتمد، وقد أعادا معا للخلافة العباسية هيبتها على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع فقضيا على ثورة الزنج وهزما الصفار وأخمدا أنفاس كل ثائر، واستقامت شئون الملك السياسية. وكانت أيام المعتضد أيام أمن ورفاهية وازدهار، وكان لذلك وقع بعيد فى نفس صديقه ابن المعتز فرأى أن ينظم فى سيرته أرجوزة (١) تصور استقرار الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية وما عمّ البلاد من العدل فى عهده، مقارنا بين تشعث الأمور قبله وانتظامها لزمنه، وهى فى نحو أربعمائة بيت، وقد افتتحها بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ فى تصوير سيرة المعتضد وكيف كانت الخلافة قبله مختلة، فالترك يخلعون الخلفاء ويقتلونهم وينتهكون الحرمات وينهبون الأموال:

كذاك حتى أفقروا الخلافه ... وعوّدوها الرعب والمخافه

وارتكبت عظائم الآثام، وهبّ الثوار فى كل مكان، يتقدمهم قائد الزنج قاتل الشيوخ والأطفال ومخرب البصرة والأهواز. ويذكر ابن المعتز القواد الذين هزمهم، حتى تصّدى له الموفق وابنه المعتضد، وكان الموفق صورة للبأس الذى ليس بعده بأس والحزم الذى ليس بعده حزم، وبعد جهاد وصراع شديدين قضى الله له بالنصر المبين-وحارب يعقوب الصفار بعد الزنج، فهزمه هزيمة ساحقة-ويذكر تنكيله بالوزير أبى الصقر إسماعيل بن بلبل لتفاقم طغيانه وما أذاق عماله وجنوده الشعب من ظلم لا يطاق، حتى كان الوارث لا يرث أباه الموسر إلا إذا دفع الرشوة الباهظة، وحتى كان التاجر الثرى تغتصب منه أمواله قسرا، مع مجونه وإيمانه بالتعطيل واعتناقه للشرك. هكذا كان الظلم فاشيا قبل المعتضد حتى إذا ولى شئون الرعية نشر فيها العدل الذى لا تصلح حياتها بدونه، وسارع الثوار


(١) انظر فيها الديوان ص ٤٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>