للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كثير من شعراء عصره وفى مقدمتهم أبو تمام الذى أصفاه ودّه وصوّر ذلك تصويرا رائعا فى شعره بمثل قوله (١):

إن يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدّر من غمام واحد

أو يفترق نسب يؤلّف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد

ولم يكد على يتجاوز العشرين ربيعا حتى أخذ نجمه بين الشعراء المعاصرين له فى الصعود، وإذا هو يصبح من مدّاح المعتصم ومن يحظون بالوفود عليه، ويعجب به، فيجعله على مظالم حلوان بالعراق (٢). ويفد على الواثق يمدحه، غير أن ابن الزيات وزيره كان يزور عنه، ويبدو أنه عزله عن عمله، إذ نراه يصبّ عليه جام غضبه (٣). وفى هذه الأثناء نراه يعقد صلة وثيقة بينه وبين عبد الله بن طاهر أمير خراسان، مؤتسيا فى ذلك بصديقه أبى تمام، ويتوفى سنة مائتين وثلاثين للهجرة، فيعزّى فيه ابنه طاهرا خليفته على ولاية خراسان ويبكيه بكاء حارّا.

وتقبل الدنيا على ابن الجهم مع خلافة المتوكل سنة ٢٣٢ للهجرة إذ يصبح من أقرب الشعراء إلى نفسه، ويتخذه جليسا ونديما، ويسرّ إليه بما يدور بينه وبين جواريه ومحظيّاته من مثل محبوبة وقبيحة أم المعتز، ويغدق عليه أمواله وجوائزه حتى ليروى الرواة أنه دخل عليه يوما وبيده درّتان نفيستان يقلّبهما تعجبا واستحسانا، ويبالغ الرواة فيقولون إن الواحدة منهما كانت تزيد قيمتها على مائة ألف، وأنشده ابن الجهم قصيدة جعلته يقدم له إحدى الدّرّتين، وكانت فى يمينه، والأخرى لا تزال فى يساره، فأسرع ابن الجهم يقول على البديهة:

بسرّ من را إمام عدل ... تغرف من بحره البحار

الملك فيه وفى بنيه ... ما اختلف الليل والنهار

يرجى ويخشى لكل أمر ... كأنّه جنّة ونار


(١) ديوان أبى تمام ١/ ٤٠٧.
(٢) أغانى ١٠/ ٢١٠.
(٣) الديوان ص ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>