وابن الجهم يزعم فى الأبيات أن القول بأن القرآن مخلوق من شأنه أن يؤدى بالإنسان إلى الكفر والشرك بالله، وقد مضى ينفى عن المتوكل القول بحرية الإرادة وأن الإنسان يصرّف أفعاله كما تشاء له قدرته، على نحو ما كان يؤمن المعتزلة، فهو سنىّ يأخذ بأقوال أهل السنة، وبأن كل شئ بقضاء وقدر مقدور على الإنسان لا حول له إزاءه ولا قوة. ونراه فى نفس القصيدة يزعم بأن أبا بكر قضى على الردة الأولى فى الإسلام وأن المتوكل قضى على هذه الردة الثانية للمعتزلة. وكل ذلك زلل منه، وكان حريا به ألا يرسل لسانه فى المعتزلة وأن يقف بعيدا عن خصومتهم، أو على الأقل ألا يصمهم بوصمات الردة والشرك والكفر، ولكنه كان قد وضع نفسه موضع الداعية للمتوكل وأعماله المحامى عنه أمام خصومه، فبالغ وتورط فى مبالغته أكثر مما ينبغى.
ومشكلة ثانية تورط فيها على نحو ما تورط ضد المعتزلة مندفعا وراء المتوكل إذ كان شديد الانحراف عن على بن أبى طالب وآله، ومرّ بنا فى غير هذا الموضع ما يصور مدى هذا الانحراف إذ أمر فى سنة ٢٣٦ بهدم قبر الحسين فى كربلاء وهدم ما حوله من الدور وأن يحرث موضع القبر ويزرع ما حواليه، ونرى ابن الجهم منذ ولى المتوكل الخلافة يبدئ ويعيد فى أن العباسيين أولى الناس بالأمر وحكم الأمة. وحقّا بدأ ذلك عنده فى مدائحه للمعتصم، ولكنه أصبح الآن نغما مستمرّا يوقعه على قيثارته كلما مدح المتوكل، فبيته أحق من البيت العلوى بالخلافة، وهم أفضل الناس وخيرهم جميعا علويين وغير علويين، أما المتوكل فهو صفوة الله، اختاره لعباده، بل هو الميثاق والعهد الذى عاهد الله الناس عليه أن يسمعوا ويطيعوا، يقول له (١):
أنت ميثاقنا الذى أخذ الل ... هـ علينا وعهده المسئول
بك تزكو الصلاة والصوم والح ... جّ ويزكو التسبيح والتهليل
وكان هذا الموقف من على يثير عليه الشيعة ويجعلهم يبطنون له ضغينة مماثلة لما كان يبطنه له المعتزلة. وبجانب ذلك كان المتوكل كلما نكب أحدا زيّن عمله للرعية،