للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعروف أنه نكب لأول عهده ابن الزيات وعذبه فى سجنه حتى مات، وكذلك نكب عمر بن فرج الرّخّجىّ وكان من علية الكتاب ومشاهيرهم، وينوّه ابن الجهم بعمله وأنه إنما انتقم منهما للرعية، إذ كان ابن الزيات-فى رأيه-ظالما جائرا يزرى على سنن النبى، وكان الرخجى يجور فى أحكامه وتصرفاته (١). ويعقد المتوكل البيعة فى سنة ٢٣٥ لبنيه الثلاثة محمد المنتصر وأبى عبد الله المعتز وإبراهيم المؤيد عاهدا إليهم بولاية العهد على التوالى، فيشيد ابن الجهم بهذا الصنيع وأن المتوكل أراد به صلاح الدين (٢). وأمر المتوكل كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع لسنة ٢٣٥ بأن يلبس النصارى وأهل الذمة جميعا الطيالسة العسلية تمييزا لهم ويشدّوا فى أوساطهم الزنانير وكتب بذلك إلى عماله فى الآفاق، فقال ابن الجهم (٣):

العسليّات التى فرّقت ... بين ذوى الرّشدة والغىّ

وما على العاقل أن يكثروا ... فإنه أكثر للفىّ

وآذى البيتان النصارى وأهل الذمة جميعا، وبذلك لم يوغر صدور المعتزلة والشيعة عليه وحدهما، فقد أوغر أيضا صدور النصارى وأهل الذمة، ولم يقف إيغاره الصدور عند هذه البيئات الثلاث، فقد أوغر أيضا صدور حاشية المتوكل جميعا شعراء وغير شعراء، وكان منهم مروان بن أبى الجنوب والبحترى والحسين بن الضحاك وعلى بن يحيى المنجم وأبو العيناء وابن حمدون وعزّون وبختيشوع الطبيب النصرانى وعبادة المضحك، وساءهم جميعا أنه كان كثير السعاية بهم إلى المتوكل والذكر لهم بالقبيح عنده، وتصدّى له منهم البحترى ومروان بن أبى الجنوب يهجوانه. وأخذ هؤلاء الندماء يسعون به إلى المتوكل، فتارة يقولون له إنه يجمّش غلمانك ويلاعبهم، وتارة ثانية يقولون له إنه كثير الإزراء عليك. وساعدهم كثيرون من حاشية المتوكل ممن لم نسمهم، وكان منهم المعتزلى والشيعى والنصرانى ومن يودلو انتقم منه شر انتقام، غير من كان يحسده على منزلته من المتوكل، فما زالوا يقعون فيه حتى ملأوا قلب المتوكل غيظا وحنقا عليه، فأمر بحبسه لسنة ٢٣٧ ونراه يرسل إلى أخيه من سجنه بقصيدة يصور فيها تجلده لنكبته وشكواه من رفاقه شكوى أليمة وأن


(١) الديوان ص ٣٩ وما بعدها.
(٢) الديوان ص ١٢٥.
(٣) الديوان ص ١٩٢ والفى فى البيت الثانى: الفئ وهو الغنيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>