للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استعطافه فى لامية له استهلّها بالحديث عن الصبر الجميل، ويسترسل فى مديحه، ويقول إنه خير خلق الله وأعدلهم وأشدهم توخيا للإنصاف، وكأنه يشير إلى ما يأمل منه من العفو والصفح والغفران حين يقول (١):

يعاقب تأديبا ويعفو تطوّلا ... ويجزى على الحسنى ويعطى ويجزل

ولا يتبع المعروف منّا ولا أذى ... ولا البخل من عاداته حين يسأل

رعاك الذى استرعاك أمر عباده ... وكافاك عنا المنعم المتفضّل

وينكل به طاهر بن عبد الله بن طاهر، كما أسلفنا، وكان يمدح أباه وبيته، غير أنه زلّ زلّته التى تحدثنا عنها حين أحسّ أن الطاهريين لا يتوسطون له عند المتوكل ولا يهمهم أمره، فسماهم رافضة، وكأنما أراد من المتوكل أن يطير بهم طيرة بطيئا سقوطها، وظل طاهر يسرّها له، حتى تمكن منه، ويرسل له ابن الجهم من سجنه فى الشاذياخ شعرا يستعطفه به من مثل قوله (٢):

إن كان لى ذنب فلى حرمة ... والحقّ لا يدفعه الباطل

وحرمتى أعظم من زلّتى ... لو نالنى من عدلكم نائل

ولكن الزلة فى رأى طاهر كانت أكبر من الحرمة، فلم يأبه باستعطافه، حتى أمره المتوكل برد حريته إليه. حينئذ خشى معرّة لسانه، فقرّبه منه وجعله من ندمائه وجلسائه.

ولابن الجهم مراث قليلة فى مقدمتها مرثيته لعبد الله بن طاهر، يعزى بها طاهرا ابنه، مصورا عظم الفادحة فيه، حتى ليظن كأن ركنا من أركان الإسلام انقضّ انقضاضا، فى يوم عبوس من أخنى الأيام وأشدها بلاء على الأنام، على نحو ما يقول فى مطلعها (٣):

أى ركن وهى من الإسلام ... أى يوم أخنى على الأيام

ومضى يعزى آل الفقيد مصورا عظم الكارثة فيه، ثم انتقل إلى مديح طاهر


(١) الديوان ص ١٦٥.
(٢) الديوان ص ١٦٩ والأغانى ١٠/ ٢١٨.
(٣) الديوان ص ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>