للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضله بأن عمر استسقى به فى عام الرمادة حين أصاب الجزيرة القحط مستشفعا به لربه، ولم يستسق بابن أبى طالب، ويشير إلى حكم الميراث فى الإسلام وما فرضه من حجب العم لابن أخيه، فالخلافة حق من حقوق العباسيين، كما تقرر ذلك الشريعة الإسلامية، وليس لأبناء على وحفدته أى حق فى منازعتهم.

ويكرر البحترى فى مديحه للمتوكل وغيره من الخلفاء العباسيين تقواهم، وعدلهم الذى ينشرونه فى ربوع الدولة، ومدى رعايتهم للأمة ورفقهم بها ورقتهم لها وكيف يقومون على حمايتها بجنودهم وجموعهم الجرّارة. وكان ينتهز كل فرصة ليدبج قصائده فيهم، فمن ذلك قصيدته فى وصف موكب المتوكل فى أثناء خروجه لأداء الصلاة فى عيد الفطر، وقد صوّر فى فاتحتها قوة الإسلام حينئذ مجسمة فى جيش ضخم كان يحفّ بالمتوكل وكأنه جبال تتحرك، فترجف الأرض وتهتز لضخامته وعدده الكثيفة، ويتحدث عن جلال الموكب وما استدار حول المتوكل من هالات قدسية ومن محبة للشعب وإعظام، يقول (١):

افتنّ فيك الناظرون فإصبع ... يومى إليك بها وعين تنظر

يجدون رويتك التى فازوا بها ... من أنعم الله التى لا تكفر

ذكروا بطلعتك النبىّ فهلّلوا ... لما طلعت من الصفوف وكبّروا

حتى انتهيت إلى المصلّى لابسا ... نور الهدى يبدو عليك ويظهر

فلو انّ مشتاقا تكلف فوق ما ... فى وسعه لسعى إليك المنبر

ولعل أهم وزير استصفاه لنفسه الفتح بن خاقان، فله ألف ديوانه الحماسة، وقد عاش نحو خمسة عشر عاما يمدحه منوها بسياسته وحزمه وشجاعته وأناته فى تسديد الأمور، وعونه للضعيف ورده للمظالم ونشره للعدل الذى لا تصلح حياة الناس بدونه وبعد غوره ويقظته وكفايته لحمل أمانة الحكم على خير وجه ممكن، مع تقواه وتواضعه ومع صيانته للثغور وحطمه بجيوشه للثوار والأعداء حطما لا يبقى ولا يذر، ومع أخلاقه الرفيعة التى تتحلّى بها نفسه الأبية، وكان ربما بدر منه ما يجعل الفتح ينصرف عنه. فكان يعتذر له بأشعار رائعة، سبق أن صورناها فى الفصل الماضى. ومديحه


(١) الديوان ٢/ ١٠٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>