للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أشاروا إليها، والمظنون أنها كانت لعهد المتوكل، ولعل فى تسجيل البحترى لها ما يؤكد ما قلناه مرارا من أن شعر المديح عند العرب يعدّ فى بعض جوانبه وثائق تاريخية مهمة، وفيها يقول البحترى مصورا زحف ابن دينار بمركبه «الميمون» ومن حوله المراكب تغص بجنوده البحريين الذين محقوا الأسطول البيزنطى وجنوده محقّا (١):

غدوت على الميمون صبحا وإنما ... غدا المركب الميمون تحت المظفّر

وحولك ركّابون للهول عاقروا ... كئوس الردى من دارعين وحسّر (٢)

صدمت بهم صهب العثانين دونهم ... ضراب كإيقاد اللّظى المتسعّر (٣)

يسوقون أسطولا كأن سفينه ... سحائب صيف من جهام وممطر (٤)

فما رمت حتى أجلت الحرب عن طلّى ... مقطّعة فيهم وهام مطيّر (٥)

وكل شئ يشهد بأن الشعر كان لا يستصعب على البحترى، فقد كان يتدفق على لسانه تدفقا، ومع ذلك يقال إنه نقل كثيرا من مدائحه، حتى ليبلغ ذلك عشرين قصيدة، إلى مدح أناس جدد (٦). وقد يكون فى ذلك مبالغة، على أننا نجد فى الديوان رائية مرددة بين أبى الصقر إسماعيل بن بلبل، والخضر بن أحمد والى الموصل، واختلفت لذلك رواية بعض أبياتها (٧). ويدخل فى هذه الظاهرة عند البحترى ما قيل من أنه هجا كثيرين ممن مدحهم، حتى ليبلغ بهم بعض الرواة أربعين شخصا (٨)، وقد عرضنا لذلك فى غير هذا الموضع، ولا شك فى أن فى العدد مبالغة.

وفى ديوانه أهاج مختلفة ترجع إما إلى حرمانه من جائزة، وإما إلى كفران صنيعة عند بعض معاصريه، وإما إلى منافسة بينه وبين الشعراء وخاصة من كان منهم


(١) الديوان ٢/ ٩٨٢.
(٢) الردى: الموت. الدارع: لابس الدرع. الحاسر: عكس الدارع.
(٣) صهب العثانين: شقر الحى، ويريد بهم الروم.
(٤) السحاب الجهّام: الذى لا ماء فيه.
(٥) رام يريم عن المكان: زال عنه وفارقه. الطلى: الأعناق. الهام: الرءوس.
(٦) الموشح ص ٣٣٦.
(٧) الديوان ٢/ ٨٧٠ وما بعدها.
(٨) الموشح ص ٣٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>