للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتعرض لشعره بالذم والنقد اللاذع. ويلاحظ أبو الفرج الأصبهانى فى ترجمته أن بضاعته من هذا الفن قليلة، ويروى عن ابنه أبى الغوث أن السبب فى ذلك أن أباه أحرق هجاءه فى الناس خوفا من مغبة عداوتهم له ولأبنائه، وكأن هذه الرواية لم تعجب أبا الفرج، فقد عاد يؤكد أن أكثر هجائه ساقط غث الألفاظ ركيك لا يشاكل طبعه ولا يليق بمذهبه (١).

وبالمثل الفخر عند البحترى ضعيف، هو حقّا يفخر فى بعض قصائده بآله وعشيرته بحتر وقبيلته طيئ ناعتا لهم بالكرم والشجاعة والكثرة والحصافة، ولكنه لا يصدر فى ذلك عن إيمان قوى بالمجد، وكأنما كانت عصبيته القبلية ضعيفة، بل لقد كان إحساسه بعروبته أيضا ضعيفا، ومرت بنا فى الفصل السالف قصيدته فى إيوان كسرى وبكاؤه لأمجاد الفرس، وكأنما لم يكن يستشعر شيئا من الإحساس العميق بالأمجاد العربية فى مقابل الأمجاد الفارسية، ولعله من أجل ذلك كان كثيرا ما يسترسل فى إشادته بالأصول الفارسية لبعض ممدوحيه، على نحو ما يلقانا فى مديحه للحسن بن سهل بمناسبة عيد المهرجان، وله يتوجه بالخطاب قائلا (٢):

إن للمهرجان حقّا على ك‍ ... ل كبير من فارس وصغير

عيد آبائك الملوك ذوى التّي‍ ... جان أهل النّهى وأهل الخير (٣)

ويعدّد طائفة من هؤلاء الملوك فى مقدمتهم يزدجرد، وكسرى، وأردشير، ويصور ما كان لهم من أبهة الملك وما كانوا يغدون ويروحون فيه من السندس والحرير.

وحتى العاطفة الإسلامية بدورها نجدها ضعيفة عند البحترى، إذ امتدح كثيرين من النصارى على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع.

وذكرنا فى الفصل السالف مرثيته للمتوكل، وأوضحنا كيف أعلنها ثورة مدوية على قاتليه وولى العهد الذى ناصرهم، وقد استهلها بوصف قصر الجعفرى الذى قتل به الخليفة وما حلّ عليه من سواد وكآبة، حتى غدا كأنه مأتم كبير،


(١) الأغانى (طبعة الساسى) ١٨/ ١٦٧.
(٢) الديوان ٢/ ٨٨٦.
(٣) الخير: الكرم والشرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>