للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن «لا تمر» ورجع إلى داره ولم يذهب مع الغلام (١). ومن المؤكد أن هذه الأخبار وما يماثلها دخلتها مبالغة كثيرة، وقد يكون بعضها اختلق عليه اختلافا. ويتوقف القدماء عند قصيدة بائية مدح بها أبا العباس بن ثوابة الكاتب، وكان قد دعاه لزيارته فى سامرّاء، فتعلل على سبيل الفكاهة بتصوير مخاطر الرحلة إليها من بغداد برا وبحرا بمثل قوله (٢):

لقيت من البرّ التباريح بعد ما ... لقيت من البحر ابيضاض الذوائب

وقد مضى يصف دجلة وبلاء الركوب فيه متفكها، فأدخلوا ذلك فى باب طيرته، ولا طيرة ولا ما بشبه الطيرة. وليس معنى ذلك أننا نريد أن ننفى تطيره، إنما ننفى المبالغة فيه، أما بعد ذلك فقد كان ابن الرومى يتطير حقّا، واشتهر بالملك بين معاصريه، حتى لنرى الأخفش على بن سليمان النحوى، وكان قد هجاه، يقتصّ لنفسه منه، بأن يقرع عليه الباب فى الصباح، فإذا قال من القارع؟ أجابه بمثل مرّة بن حنظلة أو حرب بن مقاتل وغير ذلك من الأسماء التى تملؤه طيرة، فيحبس نفسه فى بيته، ولا يخرج يومه أجمع (٣).

وقد تفتحت موهبته الشعرية مبكرة، وهو لا يزال حدثا فى الكتّاب، إذ تروى له أبيات حينئذ فى هجاء غلام عباسى يسمى جعفرا كان زميلا له، وكأن ذلك كان إرهاصا بأن الهجاء سيغلب عليه طوال حياته. وقد مضى يتخذ الشعر -كلداته-حرفة يتكسب بها، فهو يعرضه على علية أهل بغداد، وكان طبيعيّا أن يعرضه على كبار الموظفين ورجال الدولة وفى مقدمتهم أبو العباس محمد بن طاهر حاكم بغداد منذ سنة ٢٣٧، وأسرة الطاهريين معروفة كان طاهر بن الحسين قائدا للمأمون وهو الذى قضى على ثورة الأمين، وكان ابنه عبد الله بن طاهر أميرا لخراسان وخلفه عليها ابنه طاهر. وحاول ابن الرومى الزلفى إلى محمد بالمديح، ويبدو أنه لم يكن يتسع فى ثوابه ومكافأته، وكان على علم بالشعر، فأخذ ينقد بعض أشعار ابن الرومى، وغاظ الشاعر الشاب نقده. بل لقد أخذ يحرمه نواله، مما جعل ابن


(١) انظر فى هذه الأخبار زهر الآداب وذيله ص ٢٤٢ والعمدة لابن رشيق ١/ ٤٠ ومعاهد التنصيص ١/ ١٤٣.
(٢) انظر القصيدة فى الديوان ص ٢.
(٣) ذيل زهر الآداب ص ٢٤٣ ومعاهد التنصيص ١/ ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>