للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرومى يوجه إليه مثل قوله (١):

مدحت أبا العباس أطلب رفده ... فخيّبنى من رفده وهجا شعرى

ويبدو أنه كان بخيلا، وأن بخله كان السبب الحقيقى فى انصرافه عن الشاعر، متعللا بأنه لا يعجب بشعره، مما جعل ابن الرومى يصبّ عليه سياطا حامية من الهجاء، وهو يعمم فلا يقف بهجائه له عنده وحده، بل يعمّ به أسرة الطاهريين جميعا من مثل قوله (٢):

إذا حسنت أخلاق قوم فبئسما ... خلفتم به أسلافكم آل طاهر

جنوا لكم أن تمدحوا وجنيتم ... لموتاكم أن يشتموا فى المقابر

وترنو عينه إلى سامرّاء حاضرة الخلافة ومجمع كبراء رجال الدولة ووزرائها وموظفيها العظام، ويقدم عليها لعهد المنتصر سنة ٢٤٨، ويمدح أحمد بن الخصيب وزيره، ويعود سريعا إلى بغداد ويظهر أنه وجد الأبواب مغلقة أمامه. وقد يكون السبب الحقيقى فى ذلك أنه عزف عن سامراء لتشيّع فيه كان يضمره فى نفسه، فتركها وعاد إلى مسقط رأسه. ولا يلبث يحيى بن عمر العلوى أن ينهض بثورة عارمة فى الكوفة ضد الدولة، ويجند جيشا كثيفا لحرب العباسيين، ويلتقى به محمد بن عبد الله بن طاهر لسنة ٢٥٠، وتدور عليه الدوائر، ويقتل فى ساحة المعركة ويغضب له ابن الرومى غضبا شديدا، ويرثيه بجيمية (٣) طويلة، يندبه فيها ندبا حارّا، مصورا حرقة حزنه عليه بمثل قوله:

سلام وريحان وروح ورحمة ... عليك وممدود من الظل سجسج

ويا أسفى أن لا يردّ تحيّة ... سوى أرج من طيب نشرك يأرج

ألا إنما ناح الحمائم بعد ما ... ثويت وكانت قبل ذلك تهزج

ولا يبكيه وحده، بل يبكى العلويين جميعا منذ شهيدهم الحسين المقتول فى كربلاء، ويتفجع على قتله مصورا جزاءه فى عليّين، ويأسى أن يكون للعلويين


(١) الديوان ص ٤٣٨.
(٢) الديوان ص ٣٩٦.
(٣) الديوان ص ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>