للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دائما قتيل مضرج بالدماء دون خوف من الله وانتقامه ودون أى رعاية للرسول عليه السلام وآل بيته، ويتناول العباسيين فى جرأة، ويتوعدهم أن يردّ الأمر إلى نصابه وأن يرجع الحق إلى أهله، على يد علوى ثائر، يحطم العباسيين بجيشه الكثيف حطما. ويتوجه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر بالخطاب متمنيا أن تزول دولته ودولة آله فى خراسان، ويعلن أنهم أعداء الرسول والإسلام جميعا، وأن دولتهم لا بد أن تدول وتمحق محقا فينطفئ غليل الصدور وتبرأ القلوب الكليمة.

وعلى هذا النحو أصبح ابن الرومى يجاهر بتشيعه، ولعل هذا الجانب فيه هو السبب الحقيقى فى أنه لم يحاول المثول بين يدى الخلفاء مادحا، وبالتالى لم يظهر فى مجالسهم بسامراء، ومع ذلك كان كثير التردد عليها، ولكنه لم يكن يتجاوز عتبة الوزراء، ويلاحظ أنه لم يحاول أن يمدح قواد الترك، وكأنهم كانوا أبعد من أن يفهموا الشعر أو يثيبوا عليه، ويشير الطبرى إلى ذلك بقوله: إنهم لم يكونوا يعرفون حدود الكلام (١). ونمضى مع ابن الرومى بعد مرثيته الشيعية الآنفة الذكر، فنجده يقف مع عامة بغداد لسنة ٢٥١ حين لجأ إليها الخليفة المستعين، ووقعت الحرب بينه-ومعه أهل بغداد-وبين المعتز الذى بايعه الترك والجند فى سامراء وينضم محمد بن عبد الله بن طاهر إلى عامة بغداد، ويحارب معهم جند المعتز، وتصفو العلاقة حينئذ بين ابن الرومى وابن طاهر، وبدا فى نهاية الأمر رجحان كفة جند المعتز، فجنح ابن طاهر إلى الصلح وخلع المستعين، وانتهت الأمور بعزله ثم قتله فى سنة ٢٥٢. ويغضب ابن الرومى ولكن كأنما ذلك كان سحابة عارضة، فتظل صلته بابن طاهر وثيقة، على نحو ما يتضح من دالية له يرثيه بها حين توفى سنة ٢٥٣ افتتحها بقوله (٢):

إن المنيّة لا تبقى على أحد ... ولا تهاب أخا عزّ ولا حشد

وفيها يشيد بكرمه وعدله فى الرعية واصفا حزنها لفقده وألمها لموته وما سكبت عليه من عبرات. ويتولى مكانه حكم بغداد أخوه عبيد الله بن عبد الله بن طاهر،


(١) الطبرى ٩/ ٢٨٤.
(٢) الديوان ص ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>