للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو أكثر الطاهريين معرفة وأدبا، وله كتب مصنفة مختلفة وأغان مدوّنة.

وهو أقرب ممدوحى ابن الرومى إلى نفسه، فقد أغدق عليه جوائز وأموالا كثيرة، وكان شاعرا، يحسن فهم الشعر وتذوقه، كما كان يحسن الفلسفة وفروعها المختلفة، ومرّ بنا تعرضه للبحترى ووقوفه ضده مع ابن الرومى ممثلا للذوق الجديد فى الشعر لعصره. ووجد فيه ابن الرومى راعيه الحقيقى، راعيه المادى الذى يجزل له فى العطاء وراعيه المعنوى الذى ينوّه بأشعاره ويصفق لطرائفه استحسانا، وراعيه ضد خصومه أصحاب الذوق الأدبى المحافظ من أمثال البحترى. وهكذا وجد عنده كل ما كان يبتغيه لنفسه، وكان عبيد الله يذهب إلى سامراء كثيرا للقاء الخليفة، فكان يصحب معه ابن الرومى. ونراه يمدح أحمد بن إسرائيل وزير المعتز لسنة ٢٥٣ ويتعرّف فى هذه الأثناء بأبى العباس أحمد بن ثوابة كاتب القائد التركى بايكباك لعهد المعتز والمهتدى، وأصبح فيما بعد رئيس ديوان الرسائل، وهو كاتب نابه، ومرّت بنا إشارة إلى مدحة له نظمها حين دعاه لزيارته فى سامراء معتذرا بمخاطر الرحلة برّا وبحرا، آملا أن تصله مكافأته فى بغداد، ولا تمضى صلته بابن ثوابة إلى نهاية الطريق (١). وهكذا هو دائما سرعان ما يتغير على ممدوحيه، إما لقلة الجائزة وإما لمنعها منه وحرمانه، وإما لأنه تخيّل أى شئ عارض جعله يظن بصديق الأمس الظنون. ويتعرف عنده على أبى الحسن بن على الباقطائى كاتبه ونراه يعاتبه لتقديمه البحترى عليه (٢). وأهم من ابن ثوابة وكاتبه أنه تعرف منذ سنة ٢٥٥ على أبى الصقر إسماعيل بن بلبل رئيس ديوان الضياع، إذ نراه يهنئه برياسته لهذا الديوان، وسنراه فيما بعد يكثر من مديحه حين أصبح وزيرا للمعتمد. ويتردد على واسط ليمدح آل أبى شيخ.

ويعزل عبيد الله بن عبد الله بن طاهر عن حكم بغداد سنة ٢٥٥ ويولّى مكانه أخوه سليمان، وكان أميرا لطبرستان فأخرجه منها الحسن بن زيد العلوى بعد حروب ومعارك طاحنة، وكأنما أعطى بغداد مكافأة له على هزيمته! . ويقف ابن الرومى فى صف عبيد الله، ويعجب كيف يعزل ويولّى مكانه هارب، وكأنما يجزى بذلك خير الجزاء، أو قل كأنما هى غنيمة نالها يبأسه وشجاعته، وإنه


(١) انظر مدحته له فى الديوان ص ٦١.
(٢) الديوان ص ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>