للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولوّح لسليمان بأنه يريد منه عونا ماليّا يصلح به داره، ولكن سليمان لم يبادر إلى عونه، فسخط عليه سخطا شديدا وعاد إلى هجائه بالجبن والبخل، وكان جده طاهر يلقب بذى اليمينين، فقال فيما قال من هجائه:

له شمالان حاز إرثها ... عن ذى اليمينين شدّ ما اختلفا

ويدخل عصر المعتمد وأخيه الموفق الذى كان يعدّ الحاكم الحقيقى حينئذ، إذ قلّم أظفار الجند الأتراك وقضى على ثورة الزنج قضاء مبرما وهزم يعقوب الصفار هزيمة نكراء، ودان له الولاة: الطولونيون وغيرهم مذعنين خاضعين، وكان يتخذ صاعد بن مخلد كاتبا له، ورفعه إلى مرتبة الوزارة سنة ٢٦٥ وامتد يمنه حينذاك إلى ابنه العلاء فأصبحت بغداد وواليها تابعين له، وكان عبيد الله قد عاد إلى حكم بغداد سنة ٢٥٩ وظل يحكمها ثلاث سنوات، ثم وليها محمد بن طاهر بن عبد الله ابن طاهر ثم عاد إليها عبيد الله تابعا للعلاء بن صاعد سنة ٢٦٦ حتى سنة ٢٧١.

وأقبلت الدنيا على ابن الرومى مع إقبالها على صديقه عبيد الله. فكانت تلك السنوات أهنأ أيامه، وأكثر فيها من مديح عبيد الله مع كل مناسبة: مع أعياد النيروز والمهرجان ومع عيدى الفطر والأضحى. وفى ديوانه مدائح مختلفة لصاعد وابنه العلاء، ويغلب أن يكون اتصل بهما مبكرا، حتى إذا أصبحت بغداد وعبيد الله ابن عبد الله بن طاهر تابعين للعلاء أكثر من الصلة بهما ومن مديحهما، وله فيهما دالية (١) طويلة. وفيهما يقول:

وكل مديح لم يكن فى ابن صاعد ... ولا فى أبيه صاعد فهو حابط

وكانت قد أخذت المنافسة بينه وبين البحترى تمتدّ، وانقسم الأدباء قسمين:

قسما هو الأكثر لما كان يؤازره من اللغويين، وهم أنصار البحترى، وقسما مقابلا هو أنصار ابن الرومى وفى مقدمتهم عبيد الله بن عبد الله بن طاهر كما أسلفنا، ونرى ابن الرومى يهجو خصمه ببائية طويلة (٢) يقول فيها إن الحظ أعمى ولولا ذلك ما نال البحترى ما نال من الشهرة بشعره الغث فى رأيه، ويزعم أنه ليس له فيه شئ فكله إغارات وسرقات ونهب من دواوين أسلافه، ويستعدى عليه-كما مرّ بنا فى غير هذا الموضوع-العلاء بن صاعد الذى أمّن الطرق من اللصوص قائلا:


(١) الديوان ص ٣٩٠.
(٢) الديوان ص ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>