للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيسرق البحترىّ الناس شعرهم ... جهرا وأنت نكال اللصّ ذى الرّيب

يعيب شعرى وما زالت بصيرته ... عمياء عن كل نور ساطع اللهب

وفى البيت الثانى ما يدل على أن البحترى كان بدوره يبادله نقدا لشعره، وغضب له عبيد الله بن عبد الله بن طاهر كما مرّ بنا، وأصلى البحترى أشعارا حامية، نعى فيها عليه أنه غير مثقف بالثقافة الفلسفية الحديثة مثل ابن الرومى الذى لا يلحق شأوه، والذى تعمق الفلسفة والمنطق. وردّ عليه البحترى كما أسلفنا فى حديثنا عنه. وما زالت المنافسة مشتدة بين الشاعرين حتى جمع بينهما بعض الأدباء مثل سليمان بن الحسن بن مخلد وعبد الله بن الحسين القطربلىّ، فتصافيا وتوادّا واعترف كل منهما بفضل صاحبه.

ومن الغريب أن ابن الرومى لم يكن يستطيع أن يبقى على علاقة حسنة بوزير أو بابن وزير، فقد كان يكفى كل منهما ألا ينفذ إليه الجائزة أو يقلل منها، فإذا هو خصم لدود، وإذا هو يسلّ لسانه ويبرى شعره سهاما مدمية. وهو ما حدث بينه وبين صاعد وابنه العلاء، فقد أخذا يهملان نواله على مدائحهما بعض الإهمال واستشاط غضبا، وأخذ ينزل عليهما شواظ هجائه من مثل قوله (١):

ليهنكم أن ليس يوجد منكم ... لبوس ثياب المجد لكن خلوعها

وظل يتشفّى حتى بعد سقوطهما والإلقاء بهما فى غياهب السجون سنة ٢٧٢.

وكان يتصل ببعض كبار موظفى الدولة، وكان منهم من يتعصب للبحترى فكانوا يردّونه ردّا قبيحا، وقد يهملونه ولا ينيلونه أى عطاء على ما يقدّم إليهم من المدائح ومن خير الأمثلة على ذلك إبراهيم بن المدبر ممدوح البحترى وصديقه الذى ولى ديوان الرسائل حينا وتولى ولايات مختلفة. وكان قد اشترك-كما مر بنا فى الحديث عن البحترى-فى حرب الزنج، ومدحه ابن الرومى فلم يلتفت إليه، وتصادف أن كان يلى خراج الأهواز سنة ٢٥٧ ودخلها بعض جنود صاحب الزنج فثبت لهم فيمن ثبتوا، وأصابته شجّة فى وجهه، وأسر، واستطاع التخلص من أسره، ونرى ابن الرومى يشمت به، ويسجل عليه جبنه وبخله فى قصائد ومقطوعات مختلفة، وله يقول (٢):


(١) الديوان ص ٥١.
(٢) الديوان ص ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>