للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قل لى بأية حيلة أعملتها ... هتفوا بأنك-لا حفظت-جواد

لقد استفاض لك الثناء بحيلة ... صعب الأمور بمثلها ينقاد

ومرّ بنا أنه تعرف على أبى الصقر إسماعيل بن بلبل منذ عصر المعتز حين أصبح رئيس ديوان الضياع فى سامرّاء. وظل منذ هذا الحين موصولا به، وكان الموفق قرّبه منه واتخذه كاتبا له، فكان يغدو عليه ويروح سواء حين يكون فى سامرّاء، أو مع الموفق فى واسط فى أثناء معاركه مع الزنج. ورفعه الموفق إلى مرتبة الوزارة فترة لسنة ٢٦٥ حتى إذا نكّل بصاعد سنة ٢٧٢ استوزره من بعده له ولأخيه المعتمد، وفرح ابن الرومى بما ناله، فدبّج فيه قصيدة طويلة (١)، استهلها بالغزل نافذا إلى طريقة جديدة، إذ عرض من خلال وصفه لصاحبته ما فى الحدائق من فواكه شهية، حتى سماها عبيد الله بن عبد الله بن طاهر دار البطيخ أى حانوت الفواكه، ومضى بعد ذلك فى مديح أبى الصقر مدحا رائعا، غير أنه لما استمع إلى قوله:

قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم ... كلا لعمرى ولكن منه شيبان

ظن أنه يعرّض به، لأنه كان يدعى نسبه من شيبان ولم يكن شيبانيّا حقيقة فقال: هجانى، وراجعه بعض الحاضرين قائلا له: إن هذا من أحسن المدح، ألا تسمع ما بعده:

وكم أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علت برسول الله عدنان

فقال: أنا بشيبان، وليست شيبان بى، وملأه الغيظ والغضب على ابن الرومى، فقيل له: ألم تسمعه يقول:

ولم أقصّر بشيبان التى بلغت ... بها المبالغ أعراق وأغصان

لله شيبان قوم لا يشوبهم ... روع إذا الرّوع شابت منه ولدان

فاستمر فى غيّه وسوء فهمه، وقال: والله لا أثيبه على هذا الشعر (٢). وواضح أن أبا الصقر لم يفهم معانى القصيدة ولا مراد ابن الرومى فى البيت الأول وغيره من


(١) الديوان ص ٢٠.
(٢) زهر الآداب ١/ ٢٤٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>