للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبيات، فكان طبيعيّا أن يحرمه الجائزة، وكأنه أيضا لم يفهم قوله فى القصيدة مادحا له:

فرد جميع يراه كلّ ذى بصر ... كأنه الناس طرّا وهو إنسان

ولم يكن هذا وبالا على ابن الرومى بقدر ما كان حربا على ابن بلبل فقد أخذ يهجوه ابن الرومى هجاء مرّا ساخرا من ادعائه أنه شيبانى حقيقة، مثبتا عليه أنه دعىّ فى شيبان لصيق بها، يقول ساخرا هازئا به (١):

تشيبن حين همّ بأن يشيبا ... لقد غلط الفتى غلطا عجيبا؟

وقد مضى يذكر أن شيبان ستشيب من هذا الخطب الجسيم، إذ يدعى النسب فيها أعجمى نبطى، وينعى كيمياء الحظوظ التى أتاحت له مجد الوزارة. ويظل يهجوه حتى يزج به المعتضد فى السجن لعام ٢٧٩ وما يلبث أن يموت فى سجنه، وابن الرومى فى أثناء هذه النكبة التى حلّت به يهجوه أهاجى كثيرة من مثل قوله (٢):

فلئن نكبت لطالما نكبت ... بك همة لجأت إلى سندك

يا نعمة ولّت غضارتها ... ما كان أقبح حسنها بيدك

وكان عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قد عزل عن حكمه لبغداد سنة ٢٦٢ ثم عاد إلى حكمها-كما مرّ بنا-فى سنة ٢٦٦ فكان يكتفى بالمعيشة فى ظلاله.

وكانت العلاقة بينهما-كما أسلفنا مرارا-وثيقة، ووظّف له أخوه محمد فى بعض فترات حكمه لبغداد، ومات وهو فى خدمته وماتت قبله بمدة أمه، وله فيهما مرثيتان.

وكان طبيعيّا أن يكثر مديحه لبعض ذوى البيوتات فى بغداد وفيما حولها من المدن والضواحى، وممن نراهم ماثلين فى ديوانه بنو فياض وهم يرجعون إلى أصول فارسية، وكانت لهم إقطاعات وضياع واسعة فى دير العاقول بالقرب من بغداد، وتمثل فى ديوانه أسرة بنى نوبخت الفارسية الأصل، وهى تشتهر من قديم بثقافة


(١) الديوان ص ٤٨.
(٢) زهر الآداب ١/ ٢٤٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>