ويغصّ الديوان بأسماء كثير من الجوارى القيان المطربات مثل بستان وجلنار وبدعة وشاجى ودريرة وغنّاء ووحيد ومظلومة وظلوم، وأكثرهن كن لوزراء أو لأمراء مثل عبيد الله بن عبد الله بن طاهر والقاسم بن عبيد الله، وكان بجوارهن قينات وجوار لا يعجب بأصواتهن ولا بسماعهن، مثل شنطف، وفيها يقول (١):
وإن سكوتها عندى لبشرى ... وإن غناءها عندى لمنعى
فقرّطها بعقرب شهر زور ... إذا غنّت وطوّقها بأفعى
ومن أهم جوانب الضعف فيه أنه كان نهما فى الأكل نهما شديدا، ولذلك يكثر فى أشعاره وصف الأطعمة من كل لون حلو وحامض، كما يكثر وصف الأشربة» ومن عجب أن القدماء وصلوا بين هذا النهم وموته لسنة ٢٨٣ أو ٢٨٤ فقالوا إن القاسم بن عبيد الله دسّ إليه السم فى خشكنانجة، فلما ازدردها أحسّ بالسم فى بطنه فقام مسرعا؛ فقال له القاسم إلى أين؟ فأجابه إلى حيث أرسلتنى.
فقال له: سلّم على والدى عبيد الله، فأجابه: ما طريقى على النار. والصحيح أنه توفى عن نحو ستين عاما نتيجة لعلله وأمراضه، وهى على كل حال سن عالية.
ولابن الرومى ديوان ضخم لم ينشر حتى الآن، إنما نشر منه الشيخ محمد شريف سليم جزءين، ونشر منه كامل كيلانى مختارات باسم ديوان ابن الرومى، وهو الذى نرجع إليه غالبا. ومن يتصفح ما نشر منه يلاحظ توّا أنه يختلف عن دواوين الشعر العربى التى عاصرته وسبقته، ففيه موضوعات متنوعة عن الحياة وشرورها وعن الناس وحرفهم وملابسهم وعن الموت وعن الأطعمة والأشربة ومتع الحياة، وعن طبائع الناس وعن النساء وأخلاقهن وعن الطّرد والقنص وعن المسرات والآلام، بحيث يصبح من الصعب تشكيل موضوعاته بأعداد رقمية. ومع ذلك سنعرض شعره على الموضوعات الأساسية للشعر العربى، مع ملاحظة ما يمتاز به من صفات خاصة به وبشخصيته الشعرية الخصبة. ومرّ بنا فى الفصل الماضى تصوير من بعض الوجوه لذخائره العقلية، وكيف أدّاه اعتزاله مبكرا إلى أن