ما رأتها عين امرئ ما رأتها ... قطّ إلا أهلّ بالتكبير
روعة تستخفّه لم يرعها ... من رأى وجه منكر ونكير
فاتّق الله ذا الجلال وغيّر ... منكرا فيك ممكن التغيير
أو فقصّر منها فحسبك منها ... نصف شبر علامة التذكير
لو رأى مثلها النبىّ لأجرى ... فى لحى الناس سنّة التقصير
واستحبّ الإحفاء فيهنّ والحل ... ق مكان الإعفاء والتوفير
وقد استهل ابن الرومى المقطوعة بتشبيه تلك اللحية بمخلاة حمار ولكن بدون شعير، ونصح صاحبها أن يجعل الموسى يرعاها ويأخذها من جميع أطرافها، وجعل محافظته عليها إثما كبيرا فإن الكوسج خفيف اللحية إذا رآها نسب إلى الله الجور والظلم فى قسمة الأرزاق، وقد طالت حتى غدت فرجة للرائحين والغادين يشيرون إليها بأكفهم وأصابعهم متعجبين، بل إنهم ليصيحون الله أكبر، للروعة الشديدة التى تأخذهم، وإنها لأكثر هولا من وجه ملكى القبر: منكر ونكير، ويدعوه أن يتقى الله ويغير هذا المنكر الذى يحمله على وجهه فى ذهابه وإيابه، أو ليقصّرها، فنصف شبر منها كاف على التذكير والرجولة، ويقول إن الرسول عليه السلام لو رآها لأبدل السنّة فلم يجعلها تطويل اللحى بل جعلها تقصيرها، بل لعله كان يجعل السنّة قصّيا ومحوها محوا. وهو يشير فى البيت الأخير إلى الحديث النبوى:«احفوا الشوارب واعفوا اللّحى». وكان كاتب مسيحى للقاسم بن عبيد الله يسمى عمرا كثيرا ما كان يحجبه، فأصلاه نارا حامية من أهاجيه (١).
وكان لا يزل يلمح العيوب الجسدية فى مهجوية، عابثا بهم عبثا كله سخرية وفكاهة وتندير.
وكان ابن الرومى يجيد فن الرثاء، بحكم قدرته على التعبير عن الأحاسيس والمشاعر، وأيضا فإنه كان يستشعر فى أعماقه حزنا ممضّا، لأنه لا يأخذ حقوقه فى عصره بالقياس إلى غيره من الشعراء الذين يتفوق عليهم تفوقا واضحا، فكان شعوره