للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الماضى مرثيته الملتهبة للبصرة حين حرقها الزنج ودمروها.

ويكثر العتاب فى ديوان ابن الرومى، وقصيدته فى عتاب أبى القاسم التوّزى الشطرنجى مشهورة، ومرّ بنا فى الفصل السالف قطعة بديعة منها فى وصف لعب أبى القاسم بالشطرنج، وكان أمهر معاصريه فى لعبه، غير أنا نقف الآن عند عتابه، وقد عرضه عرضا طويلا طريفا، إذ أخذ يذكره بما كان بينهما من صفاء، ثم نشأت بعد ذلك هنوات لا يرضاها الصديق، يقول:

كشفت منك حاجتى هنوات ... غطّيت برهة بحسن اللقاء

تركتنى ولم أكن سيّئ الظّ ... نّ أسئ الظنون بالأصدقاء

قلت لما بدت لعينىّ شنعا ... ربّ شوهاء فى حشا حسناء

ومضى فى حوار طويل بينه وبين تلك الهنوات الصغيرة، يقول لها ليتنى لم أهتك ستركنّ وهن يقلن له بل لقد صنعت حسنا، إذ لو لم تفعل ذلك لظللت فى ظلم الشك من صاحبك ضالا حائرا، وإن من الخير أن ننكشف لك حتى تعرف أمكنة الداء منه وتطبّ لها طبّا يداويها دواء يشفى الصديق، ويعتب على أبى القاسم أنه لم ينله نوالا ولا ردّا كريما، ويظل يستعطفه طويلا. وقد أسلفنا فى الفصل الماضى قطعة بديعة له فى عتاب آل وهب.

ولابن الرومى غزل كثير يأتى به مستقلا تارة، وتارة فى مقدمات قصائده، وقلما يصوغه بصيغة المذكر مما يدل على أنه لم يكن صاحب غلمان مثل أبى نواس أو حتى مثل البحترى، ومرت فى الفصل الماضى قطع مختلفة له فى وصف العناق وجمال العيون ومن بديع ماله فى وصف الشعر المسترسل حتى مواطئ القدم قوله (١):

وفاحم وارد يقبّل مم‍ ... شاك إذا اختال مسبلا غدره (٢)

أقبل كالليل من مفارقه ... منحدرا لا يذمّ منحدره

حتى تناهى إلى مواطئه ... يلثم من كل موطئ عفره (٣)

كأنه عاشق دنا شغفا ... حتى قضى من حبيبه وطره


(١) زهر الآداب ٣/ ١٦.
(٢) الغدر: ذوائب الشعر وقطعه.
(٣) العفر: ظاهر التراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>