للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها دائما الإحساس بآلام الحياة وما تكتظ به من كوارث وفواجع، كبّرها فى نفسه وخياله ما؟ ؟ ؟ به فى صباه من ترف وحياة لاهية لم تلبث أن حفّت بها الدماء المسفوكة، ؟ ؟ ؟ ، كما حفّ بها النفى والتشريد، فإذا النعيم يصبح جحيما، وينقضى عهده إلى غير مآب، وفى ذلك يقول ابن المعتز باكيا صباه بدموع غزار (١):

لهفى على دهر الصّبا القصير ... وغصنه ذى الورق النّضير

وسكره وذنبه المغفور ... ومرح القلوب فى الصّدور

وطول حبل الأمل المجرور ... فى ظلّ عيش غافل غرير

ودار عام وتولّى المعتمد الخلافة لسنة ٢٥٦ فأرسل فى طلبه وطلب جدته وابنى عمه وردّهم إلى سامرّاء، وكانت شئون القصر أخذت تستقيم، فلم يعد للترك تسلطهم ولا استطالتهم على الخلفاء، إذ جعل المعتمد الأمر والنهى والسلطان لأخيه الموفق طلحة، وكان من أحزم بنى العباس وأشجعهم وأنبغهم فى إدارة السياسة والحرب وهو الذى قضى على ثورة الزنج وثورة الصفّاريين كما أسلفنا فى غير هذا الموضع.

فاطمأن الغلام المروّع وأخذت جدته قبيحة تعنى بتربيته، وأحضرت له المعلمين فى الفقه والحديث والأدب واللغة، من مثل محمد بن عمران والحسن العنزى الإخباريين، ومحمد بن هبيرة صاحب الفراء، ويبدو أنه كان يلقى المبرد وثعلبا فى أثناء زياراتهما لسامراء قبل انتقاله ونزوله ببغداد لسنة ٢٧٦. وفى المختار من شعر بشار أن ثعلبا كان أحد مؤدبيه فقطعه وقتا، فكتب إليه من قصيدة طريفة (٢):

يا فاتحا لكل علم مغلق ... وصيرفيّا عالما بالمنطق

إنا على البعاد والتفرّق ... لنلتقى بالذكر إن لم نلتق

وكان يقصد فصحاء الأعراب ويأخذ عنهم (٣). وأهم معلميه أحمد بن سعيد الدمشقى المحدّث الإخبارى، ويروى أن البلاذرى المؤرخ سعى عند جدته كى يصبح من معلميه ومؤدبيه، فغضب ابن سعيد ولزم بيته، وكانت سن ابن المعتز


(١) ديوان المعانى ٢/ ١٥٣.
(٢) المختار من شعر بشار (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص ٥٤.
(٣) الفهرست ص ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>