للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفراغ للحياة الأدبية، وأنفق فى ذلك أعواما كثيرة. وكان يقرأ كتابات سابقيه ويفكر فيما يقرأ منها ناقدا محللا، وما نصل إلى سنة ٢٧٤ للهجرة حتى نجده يصنّف كتابه «البديع» محاولا أن يضع من جهة لأول مرة فنونه وضعا علميا دقيقا، وأن يثبت من جهة ثانية أن هذه الفنون قديمة فى الأدب العربى وكل ما للمحدثين العباسيين منها إنما هو الإكثار، أما بعد ذلك فهى منثورة فى القرآن الكريم والحديث النبوى وأشعار الجاهليين والإسلاميين. وألف كتبا أدبية أخرى كثيرة مثل كتاب الزهر والرياض ومكاتبات الإخوان بالشعر وكتاب الجوارح والصيد، وكتاب فصول التماثيل فى الشراب وآدابه، وكتاب السرقات، وكتابه «طبقات الشعراء المحدثين» ذائع مشهور وهو يصور ثقافة واسعة بالشعر العباسى الحديث كما يصور نظرات نقدية طريفة وذوقا مهذبا صافيا. وكان يعنى منذ فواتح حياته بالغناء والموسيقى، وفى ذلك يقول أبو الفرج الأصبهانى: «كان عبد الله حسن العلم بصناعة الموسيقى والكلام على النغم وعللها، وله فى ذلك وفى غيره من الآداب كتب مشهورة، ومراسلات جرت بينه وبين عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وبين بنى حمدون وغيرهم تدل على فضله وغزارة علمه وأدبه (١)». ويسوق أبو الفرج رسالة لعبيد الله إلى ابن المعتز، ومنها نعرف أنه كان يميل فى الغناء إلى التجديد ولا ينكر أن يغير الإنسان بعض نغم الغناء القديم، ثم يورد أبو الفرج من صنعته بعض أصوات أو أدوار تدل فى وضوح على أنه استطاع أن يتخطى دور المتاع بالغناء لعصره إلى دور الإنتاج فيه إنتاجا ممتازا جعل العصور تحمله من بعده، وكثيرا ما كان يزوره بعض المغنين والمغنيات ويغنونه فيما يصنع من الشعر. ومن الجوارى اللائى كن يكثرن من الاختلاف إليه والغناء فى شعره زرياب وبنت الكراعة وخزامى، على نحو ما يحدثنا عنهن أبو الفرج فى ترجمته.

وكان ابن المعتز يأخذ بنصيب غير قليل من متاع الحياة (٢)، وكأنه ورث عن أبيه كل مزاجه، أو قل هى حياة القصور المترفة التى تدفع من يعيشها إلى اللهو، مما جعله يفتح بيته للندماء فى بعض الأيام وبعض الليالى يسمعون ويشربون، وكان أكثرهم من الشعراء أمثال النميرى، وبينهما مراسلات شعرية طريفة، وعلى بن مهدى


(١) الأغانى ١٠/ ٢٧٦.
(٢) الديارات ص ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>