للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الموضع-إنه أنفق عليها أربعمائة ألف دينار وإنها كانت تمتد نحو ثلاثة فراسخ، ومن حولها البساتين والرياض، وقد صوّرها ابن المعتز تصويرا رائعا، إذ يقول فى نفس القصيدة:

وأنهار ماء كالسلاسل فجّرت ... لترضع أولاد الرياحين والزهر

جنان وأشجار تلاقت غصونها ... فأورقن بالأثمار والورق الخضر

ترى الطير فى أغصانهنّ هواتفا ... تنقّل من وكر لهنّ إلى وكر

ويتحدث عن بأس المعتضد وجراءته وأنه يفوق فيهما ليث الغاب الذى يجرّ إلى أشباله كل ليلة ذبيحة وحش أو ذبيحا من البشر، والذى ما يزال يفزع الناس بزئيره وبمن يفترس منهم ويقضمه قضما. وكان المعتضد حقّا شجاعا شجاعة خارقة، ويصور ابن المعتز ما بسط فى البلاد من عدل ومن رفق بالعباد وجبروت شديد بمثل قوله فى القصيدة:

حكمت بعدل لم ير الناس مثله ... وداويت بالرّفق الجموح وبالقهر

وليس فى أشعاره مديح أو تهنئات لولاة أو وزراء سوى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وعبيد الله بن سليمان بن وهب وزير المعتضد وابنه القاسم كما أسلفنا، وخير مدائحه فيهم جميعا ما مدح به عبيد الله بن سليمان بن وهب، وهو على كل حال لا يبالغ فى إطرائه له على عادة الشعراء المتكسبين بأشعارهم، إنما هى أبيات ينفث بها صدره من مثل قوله (١):

أيا موصل النّعمى على كل حالة ... إلىّ قريبا كنت أو نازح الدّار

كما يلحق الغيث البلاد بسيله ... وإن جاد فى أرض سواها بأمطار

لقد عمر الله الوزارة باسمه ... وردّ إليها أهلها بعد إقفار

وكانت زمانا لا يقرّ قرارها ... فلاقت نصابا ثابتا غير خوّار


(١) الديوان ص ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>