للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى ديوانه وبين أشعاره مراث قليلة وأهمها ما نظمه فى ممدوحيه السالفين وخاصة المعتضد صديقه فقد حزن عليه حزنا شديدا، إذ أحسّ كأنما انهار ركن العباسيين الوطيد وانقض من أساسه، كما أحسّ أن أيام أنسه عادت ظلاما، فقد طوت المنية صديقة الحميم، وطار قلبه فزعا، واسودّت الدنيا من حوله، وقد مضى يرثيه ويتفجع عليه وعلى دولته وما بذله فى حمايتها ووقايتها من جهد جهيد وبأس له شديد، يقول والدموع تنهمر من عينيه وتكاد تخنقه خنقا (١):

يا ساكن القبر فى غبراء مظلمة ... بالطاهريّة مقصى الدّار منفردا (٢)

أين الجيوش التى قد كنت تسحبها ... أين الكنوز التى لم تحصها عددا

أين السرير الذى قد كنت تملؤه ... مهابة، من رأته عينه ارتعدا

أين الرّماح التى غذّيتها مهجا ... مذ متّ ما وردت قلبا ولا كبدا

ويتحسر على قصره الثريا ووصائفه وملاهيه، وكأنما أصبح طللا مهجورا، ولا أثر ولا عين، كأنما لم يكن به المعتضد يوما. ويحزن حين توفى قبله وزيره عبيد الله ابن سليمان بن وهب، ولكنه لا ينظم فيه قصائد إنما ينظم أبياتا قليلة يبكى فيها قدرته الكتابية أو قدرته السياسية فى الحكم والتدبير من مثل قوله (٣):

هذا أبو القاسم فى نعشه ... قوموا انظروا كيف تسير الجبال

يا ناصر الملك بآرائه ... بعدك للملك ليال طوال

وطبيعى ألا نجد عند ابن المعتز هجاء، فقد كان يرتفع بنفسه عن هذا الفن الذى يستحيل فى أيدى الشعراء سهاما يسددونها إلى خصومهم، ولم يكن له خصوم، ولا كان يكنّ لأحد خصومة إلا ما قد يقوله تندّرا ودعابة من مثل قوله لعلى بن بسام هجّاء عصره (٤):

يا قذى فى العيون يا حرقة بي‍ ... ن التراقى حزازة فى الفؤاد

يا طلوع العذول ما بين إلف ... يا غريما وافى على ميعاد


(١) النجوم الزاهرة ٣/ ١٢٧.
(٢) الطاهرية: الدار التى دفن بها المعتضد غربى بغداد.
(٣) الديوان ص ٣٨٩.
(٤) ذيل زهر الآداب ص ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>